لا يزال شربل روحانا (1965) وفياً لنهجه الفني الداخلي. نهج يستطيع المتابع التقاط عناصره وتفاصيله وخيطه الرقيق الجامع عدداً من إصداراته، ابتداء من «ذكرى» وصولاً إلى «سلامات» و«مدى» و«مزاج علني» و«كي لا ننسى» و«العكس صحيح» و«خطيرة...» و«شغل بيت» حتى «تشويش» الذي أطلقه العام الماضي. يبقى «دوزان» (2010) تجربة توضح الى حدّ كبير المسار المنهجي لهذا الموسيقي في «دويتو العود» مع إيلي خوري.لا يُخفى أن روحانا يُفسح للعفوية مكانها برغم الدراسة الأكاديمية. الأستاذ في «معهد العلوم الموسيقية» في «جامعة الروح القدس»، سخّر جلّ قدراته وتجاربه لكتابة منهج خاص بآلة العود، ما لبث أن أعتُمد في المعهد المذكور. والحال أن مؤلف بعض أجمل المقاطع الموسيقية في «سلامات» مثلاً، لا يزال يجهد في نسيج مبني على مزاج خاص، حميم ورقيق، ويقوم على مقاربات واختبارات تمضي عالياً من دون ادعاء، منذ تعاون روحانا في بداية إطلالاته العلنية مع مارسيل خليفة، كعازف على آلة العود. شربل روحانا أكبر من حصره في العزف على آلة العود، لناحية حساسية العازف نفسها، ولتسلل هذه الحساسية من أنامل العازف الى الأجهزة العصبية لجمهور سامعيه، متلهفة إلى لحظات مؤثرة.

بهذا الكيان الفني الشفاف تردد حضور هذا العازف الاستثنائي على مسارح العالم العربي والعالم، مُعززاً بفكرة أن العود ليس مجرد آلة، بل اقتراح معرفي قد يُدوّر في زوايا اللحن فيغتني النغم، ويغدو شيئاً آخر مع أبرز آلات العزف عند العرب. لا يُخفى مزاج الحنان الخالص في عدد من أعمال روحانا، كما هي الحال في أغنية «هاي كيفك سافا؟»، أو النقد المبطن في الأغنية لاستعمال اللبنانيين لغات مختلفة في تخاطبهم اليومي.
يرافقه إيلي خوري على البزق وآزاد ميرزابور على آلة التار
كما لا يُخفى عزفهُ الممسوك بقدرة تقنية عالية في تجاربه الأخيرة القارئة لأصعب اللحظات وأشدها تعقيداً في كتابة الموسيقى اللبنانية والعربية، أو معالجتها من وجهة نظر جديدة، أي إعادة كتابة القديم بروح جديدة كما دأب في الكثير من أعماله كما في «يا غصن نقا» مثلاً، و«البنت الشلبية» و«عالروزانا» وصولاً إلى «فلامنكو»، وفي العمل على السماعي/ راست في مقطوعة «سماعي/ راست» التي لا تتعدى الدقائق الأربع تقريباً. يُغلّف روحانا تأليفاته بحساسيته، ويُخضعها للعقل في آن، لينقلها إلى مرحلة الاختبار العزفي على آلة العود، ومنها تتفرّع إلى معابر الآلات الأخرى التي تلعب جماعياً. تحت عنوان “طرب وسفر”، يحيي روحانا أمسية مع عازف آلة التار الإيراني آزاد ميرزابور، وعازف البزق والعود إيلي خوري يومي 27 و28 شباط (فبراير) على خشبة «مسرح المدينة». وعن تعاونه مع ميرزابور يقول روحانا: «التقيت عازف التار الإيراني آزاد ميرزابور قبل عامين ضمن فعاليات «مهرجان بيت الدين» ، وكانت رغبتنا مشتركة في عمل فني معاً. وقد تمّ ذلك بالفعل حيث قدّمنا سوياً، مع عازف البزق والعود اللبناني إيلي خوري، حفلة موسيقية آلاتية على مسرح Les Abesses في باريس. ولاقت صدى طيباً، بامتزاج الموسيقى الفارسية بالعربية، وكانت وحدها الآلات تُغنّي وتتحاور من خلال المقطوعات والارتجالات الموسيقية التي تأخذ مداها عند كل عازف على حدة أو مجتمعين». البرنامج نفسه سيقدّمه الثلاثي في أمسية «طرب سفر» على خشبة «مسرح المدينة» التي تجمع العود والتار والبزق من دون غناء، و«نأمل معها تفاعل الجمهور مع موسيقى بلاد الشام وبلاد فارس على وتر التواصل بين الأجيال» كما يقول روحانا. وعن معنى حضور أيّ نشاط فنّي أو ترف روحي وسط هذا الخراب المحدق بالعالم العربي الآن يضيف: «لغاية الآن لم يصل الخراب الى داخلي، ولم يفعل فعله بعد. ما زلت أقاوم بمجهود كبير كي أعزل نفسي عما يدور حولنا، لكنني أثق أننا سنكون بخير».

* «طرب سفر»: 20:30 مساء الجمعة 27 والسبت 28 شباط (فبراير) ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 01/753010