أطلق الفنان الهرملاني (كما يحبّ أن يتكنى نسبة إلى مسقط رأسه الهرمل) جعفّر الطفّار (بالاشتراك مع «أسلوب») أغنيته الجديدة «رسالة من الحبس» (على «ساوند كلاود» وعلى مواقع التواصل الاجتماعي). وعلى عادته، جمع مزيجاً من الجو الشعبي والموسيقى الحديثة، فضلاً عن العتابا التي يجيدها. تتحدث الأغنية عن صراع «المواطن» اليومي ضد فكرة «الحبس»، خصوصاً أنّه جزءٌ من معاناة أهل المنطقة، فالدولة لا تتعامل معهم على اعتبار أنهم «مواطنون» بمقدار كونهم «مذنبين» يستحقون السجن والعقاب.
«الحبس مو للزلم والجنة حرية» هي ثيمةً الأغنية ولازمتها التي تعتبر «رسالتها» المركزية، حتى لو أنّها ليست البداية التي يستعيرها جعفر كي يرسم القصة. القصة يلونها منذ البداية على عادته: «لو إنك تسمع القصة يا قاضي، لكنت كسرت مطرقة الخشب». الطفار القادم من عائلة فنية، يبدأ «الموال»، تليه القصة التي تروى على «عجلٍ» لكن دون استحياء.
سُجنَ الخال، وبدأت رحلته في عالم السجون. لم يكن هذا الخال «إرهابياً»، بل كان ضحية «مشكلة» فردية، استقبل بالضرب، «هرت» ثلاث أسنان له عند الاستقبال: «رعب/ إهاني/ مذلي والاذى عن عمد». إنّها معاناة الإنسان العادي الذي يتحوّل فجأة إلى أقل من إنسان في سجنٍ مخصصٍ لحماية الإسلاميين الذين يعيشون فيه كملوك، بينما يموت الإنسان/ المواطن فيه كل لحظة مئة مرةٍ أو أكثر. كل السجون تشبه بعضها: «زحلة متل حلبا متل رومية متل صور». لكن القصة لا تنتهي هنا. الكورس يغطي كل القصة من دون أن يجافي الفكرة بحد ذاتها: «برا الحبس وجوا الحبس الكلبشة بالايادي، حاكم ظالم مية نفس وعايش عمرو بسعادي». إنها حكاية أهل المناطق الفقيرة والمحرومة الذين لا تراهم الدولة أبعد من كونهم «حاضرين» للعقاب. تكمل الأغنية في توصيف المكان، «ضيوف» المكان مرضى، متعبون، أحلامهم بسيطة. يحتل المحامون والأطباء في تلك القصة جزءاً كبيراً، فهم «كاذبون» يعطون المرضى دواء واحداً علاجاً لجميع الأمراض، ويخدعون «النزلاء» بكلماتٍ معسولة.
بالنسبة إلى الموسيقى، لا يزال «أسلوب» (مقيم حالياً في فرنسا) واحد من أهم الموسيقيين الشباب في العالم العربي. نجده مركزاً على الطبول/ الدفوف بالإضافة إلى «تحويجته» الخاصة من أصواتٍ يجمعها معدلاً عليها كي تكون جزءاً من الموسيقى الأساسية، مع استعمال صوت جعفر في الخلفية كساتر. تغطي الأغنية قضيةً قلما تحدّث عنها الفن اللبناني. ربما هذا هو الوجه الحقيقي للراب الذي يجب أن يكون «معبراً» عن مشاكل الناس وآلامهم وقضاياهم. يظل جعفر علامةً فارقة في المجال في حين غرق أغلب مؤدي الراب في لبنان في القضية السورية خلال العامين الفائتين. أهملت كل «قضايا» الشعب ومشاكله. وحده جعفر حافظ على ذلك الإطار، ربما لسببٍ واحد: إنه من هذا الشعب ولا يريد أن يكون في مكانٍ آخر أبداً.