ما من مهرجان في لبنان لم يتعرّض لنكسة أدَّت إمّا إلى تعديلٍ في البرنامج أو إلى إلغاء أمسية أو حتى إلى إلغاء دورة بكاملها نتيجة الأوضاع المزرية. وحده «البستان» لم يتأثّر بأيّ من هذه «الهزّات». بالتأكيد فرض التوتّر الأمني بعض التنازلات على المنظمين، نتج منها تعديلات في البرامج ربما. لكن ذلك كان يحصل خلال مرحلة التحضير للدورات، أي قبل الإعلان الرسمي عن البرامج، ما أبقى الآثار السلبية وراء الكواليس.
في الشكل والمضمون، لا تختلف الدورة المرتقبة عن سابقاتها، إذا وضعنا جانباً بعض الفروقات الخاصة بالتوجّه العريض لكلٍ منها. هذا التوجّه يرسمه ـ كما بتنا نعرف ـ العنوان الذي يُعطى لكل دورة، وهو هذه السنة: الوحي. منذ انطلاق المهرجان عام 1994، اعتمد المنظمون عنواناً لكل دورة، تتمحور حوله برامج الأمسيات (مع بعض الاستثناءات). أحياناً يكون المحور قارةً أو بلداً أو مدينة (أميركا اللاتينية، روسيا، إيطاليا، أسبانيا، النمسا، براغ…) وكذلك قد تعطي القِيَم الكبيرة اسمها للدورة (الحب، الطبيعة، الحياة…). أما الإنسان الوحيد الذي حملت إحدى الدورات اسمه فهو موزار، وكان ذلك عام 2006 في ذكرى ربع قرن على ولادته. هذه السنة، اعتمِدَ «الوحي» عنوناً للدورة، ما أتاح هامشاً أكبر في الحركة، لناحية جنسيات المؤلفين واختيار الأعمال وغير ذلك من الاعتبارات التي لا ضرورة لأخذها في الحسبان للبقاء تحت مظلة «الوحي» الواسعة. لكن القسم الأخير من البرنامج، وتحديداً الليالي الثلاث ما قبل الأخيرة، يمكن أن تحمل عنواناً فرعياً هو: اليونان. ويجوز أيضاً ضمّ الليلة الختامية تحت هذا العنوان باعتبارها تحية لأعظم صوت آتٍ من هذا البلد، أي مغنية الأوبرا الشهيرة الراحلة ماريا كالاس.
يغيب عن هذه الدورة العرض الراقص، لكن موسيقياً جميع الأشكال الكلاسيكية الغربية حاضرة (وهذه غاية المهرجان الأساسية). المؤلفون الأكثر حضوراً هم بيتهوفن، موزار، تشايكوفسكي ورخمانينوف… وأبرز ضيوف المهرجان هذه السنة النجمتان الشابتان، عازفة البيانو كاتيا بونياتيشفيلي وعازفة الكمان آرابيلاّ شتاينباخر، بالإضافة إلى عازفة الكمان آنّا تيفو التي تفتتح المهرجان مع مجموعة من زملائها والأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة جيانلوقا مارتشيانو.
تحية إلى ماريا كالاسأما العرض الأوبرالي فهو قويّ جداً هذه السنة مع «نورما» لبلّيني، فالعمل وصاحبه غنيّان عن التعريف في مجال الأوبرا الإيطالية (راجع أدنى الصفحة للتفاصيل المتعلقة بهذه الأسماء والأمسيات).
في ليلة الختام
من خارج الموسيقى الكلاسيكية، هناك، أولاً الأسماء المحلية التي تتمثل في 4 مشاركات من أنماط مختلفة: زياد الأحمدية وفرقته (شرقي حديث ــ 1/3)، أرتور ساتيان وفرقته (جاز - 12/3)، «جوقة مهرجان البستان» (تحية لفرانك سيناترا - 13/3) و«جوقة جبل لبنان الأورثوذكسية» (ترانيم دينية - 18/3). ثانياً، تشارك The Marly Marques quintet (14/3) من لوكسمبورغ لإحياء أمسية بين الجاز رالروك والبوب واللاتيني وغير ذلك من الألوان الغنائية التي تؤديها نجمة الخماسي (المغمور نسبياً) الذي يحمل اسمها. كذلك يحلّ على المهرجان ضيفٌ هو الأشهر بين زملائه، عازف الأكورديون ريشار غاليانو الذي يقدّم مع سيلفان لوك (غيتار) تحيّة إلى إيديت بياف (15/3).
بالعودة إلى الجانب «اليوناني» من البرنامج، ينظم «البستان» في 19/3 أمسية بعنوان «قلب اليونان» يحييها التينور ماريو فرانغوليس وفرقته في برنامج مخصّص لأكبر رموز الموسيقى في بلاده، الأسطورة الحية ميكوس تيودوراكيس. في اليوم التالي، يدعو المهرجان محبي التراث اليوناني (من طعام وأنغام) إلى سهرة في إحدى الحانات في منطقة بيت مري. يونانياً أيضاً، لكن ضمن الموسيقى الكلاسيكية هذه المرة، يحيي جيانلوقا مارتشيانو على رأس The World Orchestra وبالاشتراك مع مواطنه عازف البيانو باولو ريستاني أمسية (21/3) لأعمال مستوحاة من أساطير إغريقية لبيتهوفن، سان-سانس، ليِسْت وموزار، بالإضافة أخيراً إلى تحية إلى ماريا كالاس في ختام المهرجان، تستعيد فيها أربع مغنيات أوبرا أجمل المقتطفات التي اشتهرت بها الديفا الراحلة.
«مهرجان البستان»: بدءاً من 17 شباط (فبراير) حتى 22 آذار (مارس) ـــ «أوديتوريوم اميل بستاني» (بيت مري) ـ للاستعلام: 03/752000