منذ بدأ تنظيم «داعش» بثّ أفلامه الترويجية، انبرت الصحافة الأجنبية لتحليلها. تتصدّر، منذ شهور، كلمة «هوليوود» عشرات المقالات التي تتناول «داعش». نقرأ عن «التقنية العالية» و«اللعبة البصرية الناجحة» و«الصورة المتقنة» و«الإخراج المحترف». ولا يفوت عدد من كتّاب هذه المقالات إحالتنا عبر الروابط الالكترونية إلى الأفلام التي يتحدّثون عنها، والتي تخبرنا عن نسب مشاهدة مرتفعة عبر أكثر من موقع.
قليلون هم الذين كتبوا منتقدين هذه الأفلام، تقنياً (أو فنياً) على الأقل. نجح التنظيم في تقديم نفسه بالصورة التي يريدها هو لنفسه، وها نحن نصدّق هذه الصورة كما هي. من منّا شاهد فيلماً عن «داعش»، لم يصوّره التنظيم نفسه، أو لم يشرف بنفسه عليه؟
نعرف من خلال الأفلام أنهم مسلمون متشدّدون، يحلمون ببناء دولة الخلافة، مستعدّون للقيام بأي شيء في سبيل تحقيق هذا الحلم. حججهم الدينية حاضرة لتبرير الإجرام الذي يرتكبونه. الحياة في دولتهم ستكون سعيدة، ومبنية على أساس العدل والمساواة، إلخ.
هذه الرسالة، مصحوبة بالتذكير بجرائم الأعداء بحق المسلمين، تدغدغ مشاعر الكثيرين من مناصري «الدولة الإسلامية». وهؤلاء فئة من الجمهور المستهدف: المطلوب من المنخرطين المزيد من الحماسة، ومن المتردّدين حسم خيارهم والالتحاق سريعاً بالدولة الحلم. وهناك جمهور ثان، مطلوب منه أن يخاف، وأن ينتظر دوره في المذبحة القائمة.
ما هي الصورة الأخرى التي لا نعرفها عن هذا التنظيم؟ لا شيء حقيقياً. لكن هل يصعب التكهن بما يمكن أن تكون عليه حال هذا التنظيم؟ ألا يمكننا أن نفترض أن تنظيماً مماثلاً لا شك سيحوي الكثير من التناقضات، والصراعات الداخلية، والفساد والعداوات؟ هل يجوز أن نستسلم لفكرة التفوّق التقني، ونروّج لها، من دون أي محاولة لقراءة نقدية؟ من دون أي سؤال عن نجاحات أخرى في مجالات أخرى؟ (أو إخفاقات لا نسمع عنها؟)
قديماً، كانت «إسرائيل» العدو الذي لا يقهر. هذه الدولة التي تشبه «داعش» في إجرامها، وفي مباهاتها بهذا الإجرام. حملت المخيلة الشعبية العربية صوراً خرافية عن الجندي الاسرائيلي. وتكفي عودة إلى أرشيف الصحافة اللبنانية في أيار عام 2000 وإعادة قراءة شهادات اللبنانيين عن صدمتهم عندما رأوا أن الاسرائيلي المنسحب من أرضهم، خلف السياج، إنسان مثلهم.
المشكلة تتكرّر اليوم في طريقة التعامل مع «داعش»، من خلال حجم الانبهار، وطريقة التعبير عنه، ودائماً على خلفية الإحالة إلى أفلام «هوليوود».
في الحقيقة، كان يمكن الموافقة على هذه الإحالة، لو انطلقنا مما تعنيه «هوليوود» على صعيد الترويج السياسي. «هوليوود» التي قدّمت «الشريف الأميركي» إلى العالم، ومسخت عدوّها السوفياتي، وقادت «الحروب ضد الدكتاتوريين»، وحاربت «الإرهابيين» (اقرأ العرب)، حتى إنها وصلت في مكان آخر إلى توحيد ابتسامة السياسيين. وهي فعلت كلّ ذلك باحتراف أكبر بكثير مما يفعله «داعش».
لذا، لم يعد مجدياً الحديث عن مهارة هذا التنظيم الدعائية بقدر العمل على إحباط هذه الدعاية. وأولى الخطوات: ألّا نقع في الفخ.