القاهرة | في معرضها الفردي «كسور»، تتناول ندى بركة (1990) مكنونات الجسد وعلاقته بالحيز المجتمعي والسياسي. تحاكي الفنانة المصرية في لوحاتها الجلد البشري بما يحمله من دفء وملمس لتصوغ منه أسئلةً عن عُري الجسد وجمالياته. لدى بركة أسلوبها الخاص وألوانها المتجانسة أحياناً والمتباعدة في أحيان أخرى. رغم العجائبية التي تكتنف معظم أعمال المعرض الذي تحتضنه «غاليري مشربية» في القاهرة، إلا أنها تظل ملموسة. الجسد يظلّ مفتاح اللعبة؛ حيث «ميكانيزم» الجسد هو المحرك لجماليات اللوحات. إنها علاقة بين الجسد والفن البصري، وإلى أي مدى يتفاعل أحدهما مع الآخر.
في لوحة «عِتق» (2014) تحرّر بركة الجسد من قيوده، تعتقه من آثامه، تجله حراً من القيود المرئية وغير المرئية التي يفرضها الوقت عليه. إنها رغبة الفنان الدائمة في الخروج عن سياج الوقت، وتحرير الطاقات الكامنة للروح. بمجرد أن تسلط عينك على أجزاء اللوحة، تتحول إلى مفاهيم واضحة بلا زيف أو رتوش. كأن تلك العناصر المتناثرة في اللوحة تنتظر إحدى العيون لتسقط عليها ثم تتحول إلى واقع مرئي يسرد الحكاية والسر الكامن وراءها. ترسم بركة بعفوية وبسرعة، وبالأكريليك، لا بالمواد الزيتية. في مجموعة أخرى «جسد النسيان» (2014) تتداخل ألوان الأحمر والأصفر والزهري والقرمزي والأرجواني لتحكي موروث الحياة تحت الجلد الحي، كأنها تقول إنّ تحت هذه الجلود حكاية غير مروية. هل أرادت بركة أن تسرد نعمة الجسد المكشوف من خلال سرديات وكادرات بصرية؟ في لوحة «زفرة»، تعمل بركة كجراحة للأعضاء البشرية، تضع كل عضو على حِدة، كي تقوم في النهاية بتضفيرها جميعاً في حلقة متواصلة من الجماليات الفنية. تشغلها أسرار الجسد وتفاصيله. الجسد الذي يمثل لدى الفنان معادلاً للكون وتجلياته، فمن الجسد تبدأ مركزية الكون.
بدأت بركة دراسة الفنون في «الجامعة الأميركية في القاهرة» (2007-2011)، ثم حصلت على الماجستير في الفنون الجميلة من «سنترال سانت مارتينز» في لندن (2014). من خلال مجموعة من المعارض الفنية، أدركت قيمة اللون وفلسفته؛ كيفية تحول اللون إلى حالة عامة عن القيود والحرية، عن القهر والعدالة، وعن الجسد والمجتمع. هكذا جاء «كسور» كمعرض فني لترميم شروخ الجسد، واكتشاف جمالياته، وتعرية ممارساته. صاحبة «كسور» تقول إنّه بدايةً من المواد العضوية، وصولاً إلى الصور التجريدية، «تحاول ممارستي الفنية أن تبرز قناعاتي عن الجسد في المجتمع الحالي المؤطر بالعولمة، وكذلك تساؤلات الجسد الأنثوي وتغيراته في ما يتعلق بالتعري أو الحجب». في لوحة «وريد» تبرز الألوان الداكنة صورةً مخيفةً عن الجسد المعذّب. تلك الأعضاء المتناثرة بشكل عشوائي التي لا يربط بينها سوى السِحر والغموض أشبه بتمائم بصرية تصوغ منها بركة عالمها الفني. هذه اللوحات هي انعكاس للجنس، الهوية، الجمال، والمفاهيم الأخرى التي ترتبط بالجسد والروح. الجسد الذي يعدّ معركةً للتمثيل النوعي وما يحمله من دلالات اجتماعية وسياسية معقدة. اختارت بركة الجلد لأن ما يحدث عليه من تأثير يظهر سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر. ليست هذه المرة الأولى التي تعرض فيها «غاليري مشربية» أعمالاً فنيةً تتناول الجسد وأبعاده. فقد سبق لها أن قدّمت كتاب «الحضور الخفي: نظرة على الجسد في الفن المصري المعاصر». يضمّ الكتاب 120 عملاً لـ 25 فنانة وفناناً مصرياً، عن معرض «إخفاء الجسد» الذي احتضنته الصالة عام 2009 بتنسيق ستيفانيا أنغرانو. هنا، أنجز الفنانون رؤيتهم الخاصة عن العلاقة بين الفنون البصرية و»الجسم» كموضوع شائك ومثير للجدل.



«كسور» لندى بركة: حتى 12 شباط (فبراير) ــ «غاليري مشربية» (شارع شاملبيون ــ وسط القاهرة). للاستعلام: 0225784494