رحل الملك السعودي أمس عن تسعين عاماً. البلدان العربية لبست كما المملكة الوهابية ثياب الحداد، فيما غرق إعلامها في نقل كلمات المعزّين ومجريات الجنازة، وغيرها من التفاصيل التي ترافق «موت الكبار». كل شيء طبيعي حتى الآن. لكن مهلاً، لنلقِ نظرةً على مجموعة من المؤسسات الإعلامية الأجنبية. كثرة اهتمام الصحف والمواقع والتلفزيونات الغربية بوفاة عبدالله بن عبد العزيز قد تكون متوقّعة، خصوصاً أنّه حليف وفيّ. لكن ترجمة هذا الاهتمام لافتة من دون شك!
احتل الراحل مساحة كبيرة على الصحفات الأولى لمواقع صحف ومحطات عدّة. الـ«نيويورك تايمز» الأميركية مثلاً، خصّصته بمقال بعنوان «الملك عبدالله: قوّة محنكة أعادت تشكيل المملكة وسط الأزمة، ماتت في التسعين»، وحمل توقيع دوغلاس مارتين وبين هوبارد. بعد استعراض موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما ونائبه جو بايدن من الحدث، إضافة إلى الإشارة إلى واقع أسعار النفط وموقف السعودية أيّام حكم عبدالله من «الربيع العربي»، وطريقة انتقال السلطة اليوم، أفرد الثنائي مساحة كبيرة من مقالهما الطويل أصلاً لـ«الإنجازات والتغييرات التي حقّقها».
«الإنجازات المهمّة» كثيرة طبعاً وتطال مختلف الأصعدة، من الإنماء إلى السياسة والاقتصاد، مروراً بالتعليم وغيرها.
ولمن يظن أنّ المرأة في السعودية محرومة من حقوقها لمجرّد أنّها محرومة من حقوق بديهية كثيرة منها قيادة السيارة، أنتم مخطئون! الـ«نيويورك تايمز» أكّدت أنّ النساء في عهد الملك الراحل «سُمح لهن بالعمل كعاملات صندوق في السوبرماركت، كما عيّن إحداهن معاونة وزير. في الجامعة، الأبحاث التي صرف عليها 12.5 مليار دولار أميركي، الصبايا كن يدرسن إلى جانب الشباب».
شخصياً، أوضح مقال الـ«نيويورك تايمز» أنّ الملك «تحدّث بصراحة زعيم قبيلة بين البدو الذين أُرسل للعيش بينهم في شبابه. رفض أن يخاطبه أحد بـ«جلالتك»، ومنع عامّة الشعب من تقبيل يده. كذلك صدم سبعة آلاف أمير وأميرة بتخفيض مخصصاتهم، في ما وُصف بالزاهد».
الحنكة، مسألة تبنتها صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية في مقالها الأساسي، إذ عنونت: «الملك عبدالله عاهل السعودية: حاكم محنّك تمتع بشعبية بين رعاياه». صحيح أنّها تغنّت بالكثير من «إنجازات» الراحل مثل بناء جامعة للشابات في الرياض، لكنّها بدت أكثر توازناً من زميلتها الأميركية. هنا، لفتت إلى أنّ هذه الجامعة رسّخت فكرة الفصل بين الجنسين والتي أصبحت «ربما أكبر مشكلة تهدد تطوّر الاقتصاد السعودي». من جهتها، ركّزت الـ«غارديان» في مقالها الرئيسي على أبرز مواقف عبدالله إزاء التطوّرات السياسية، وعلى ما قاله رؤساء الدول عن حدث وفاته، متحدثةً عن أسلوب انتقال السلطة وعن خلفه سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد مقرن.
صفحة «بي. بي. سي.» الأولى على الإنترنت احتلتها صورة كبيرة لـ"خادم الحرمين" السابق مع مقال اتّسم بالخبرية، يضع القارئ في صورة الحالة الصحية للراحل في الفترة الأخيرة، والأجواء في المملكة قبيل التشييع وبعده، إلى جانب ما قد تكون عليه الحال هناك في ظل حكم الملك الجديد.
المشهد نفسه تكرّر على الصفحة الأولى لموقع «سي. أن. أن.» الذي نشر ستة مقالات تتعلّق بموت الملك عبدالله. مقالات تنوّعت بين السيرة، و«الإنجازات والإصلاحات»، والتحديات أمام الخلف، فضلاً عن مدوّنة صور.
صحيفة الـ«هافنغتون بوست» الأميركية التي لم يغب الفقيد عن صفحتها الأولى أيضاً، صبّت اهتمامها على أنّ ما حصل «خسارة لحليف كبير للولايات المتحدة الذي سعى إلى تحديث الدولة الغنية بالنفط»، من دون أن تغفل طبعاً عن إطلاع جمهورها على صفات الملك سلمان.
الحضور القوي لصورة الملك على الواجهة، انسحب كذلك على الـ«تايم» التي غصّت بالمقالات التي تتمحور حول موت «الحليف المهم للأميركيين»، إضافة إلى أسعار النفط، وعلاقة الراحل بباراك أوباما، ونبذة عن العاهل الجديد، وغيرها من المواضيع المفصلة.
لكن يبقى ما فعلته الـ«فورين بوليسي» فريداً من نوعه. الصحيفة الأميركية لم تكتف بترؤس موت الملك السعودي قائمة الأخبار على الصحفة الأولى لموقعها الإلكتروني، بل وضعت خانة خاصة به في الأعلى إلى جانب أحداث مهمة تشغل العالم: منتدى دافوس الاقتصادي العالمي 2015، والتطوّرات في اليمن، وأزمة أوكرانيا، و«الدولة الإسلامية». أما العنوان العريض فهو: الملك عبدالله يموت، زعزعة السعودية في وقت خطر.
إذاً، بكت وسائل الإعلام، وخصوصاً الأميركية، عبدالله بن عبد العزيز، ساردةً «إنجازات» تصلح لمئات سنوات مضت، متناسيةً أزمات كبيرة كانت للسعودية في عهده اليد الطولى فيها. فجأة لم يعد واقع الحريات وحقوق الإنسان والقتل مهمّاً، وغدا الراحل «خسارة عالمية».




نجوم الأمّة حزينة

فور الإعلان عن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، هبّ المشاهير العرب لنعيه على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي. صورة الراحل نُشرت على معظم حسابات النجوم الذين كان أبرزهم الممثلَيْن أحمد حلمي وغادة عبد الرازق، والمغنيين عمرو دياب وشيرين عبد الوهاب وتامر حسني، والموزّع الموسيقي حسن الشافعي من مصر. أمّا من لبنان، فقد برزت الصورة التي نشرتها النجمة هيفا وهبي (الصورة) للملك السعودي وكُتب عليها عبارة «إنّ لله وإنّ إليه راجعون»، مقرونة بتعليق بتضمن تعزية للشعب السعودي. نجوى كرم طلبت من الله أن «تستريح نفس عبدك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وأعطه الراحة». ومن بين المعزّين هناك أيضاً المغني السعودي عبد المجيد عبد الله، والكويتي نبيل شعيل، فضلاً عن المغربية أسماء المنوّر، والكثير غيرهم.