يرى بعضهم أن التوقيت غير مواتٍ للخوض في معاناة المثقفين والفنانين السوريين في وقت يتجرع مواطنوهم طعم العلقم جراء الحرب وأشكال الموت السادية التي تحاصرهم. هكذا ردت أمل عرفة على سؤالنا عن رأيها بالتأخير الذي واجهته عند الحدود اللبنانية، والحالة المشابهة التي تعرض لها زملاؤها في مطارات ونقاط حدودية أخرى، إذ علّقت: «حالنا من حال الشعب السوري. كما يواجه مصاعب في الدخول إلى بقية الدول، سنعاني الأمر ذاته». لكن كيف يمكن للواقع السوري الحقيقي أن يصل إلى العالم من خلال مادة فينة راقية، إذا حوصر المثقف السوري ومنع من دخول بلاد ربما تجهل شعوبها ماذا يحصل في «عاصمة الأمويين»، خصوصاً أن نسبة كبيرة من وسائل الإعلام أوغلت في تزوير الواقع على حساب مصالح وأجندات مموليها؟ رغم توجيه مهرجانات عدة دعوات المشاركة لعدد من المخرجين والفنانين السوريين، إلا أنّ إدارة تلك المهرجانات عادت لتقدم اعتذارها بعدما عجزت عن الحصول على تأشيرة دخول هؤلاء السوريين، بحجة أنه ليست هناك ضمانة لعودتهم إلى بلادهم.

عندما اختارت مصممة الأزياء السورية منال عجاج النجم عبد المنعم عمايري ليخرج لها حفل عرض الأزياء الذي أطلقته في ألمانيا أواخر العام الماضي، منعت السلطات الألمانية صاحب مسرحية «فوضى» من الدخول إلى بلادها، فاضطر إلى أن يشرف على الحفل عبر الانترنت. وبعد ذلك بأيام، وجّه «مهرجان المسرح الدولي» الذي يقام في مالمو السويدية في أيار (مايو) المقبل، دعوة إلى الكاتب والمسرحي عدنان العودة المقيم في دبي للمشاركة في فعالياته. وفور توجهه إلى السفارة السويدية هناك للحصول على تأشيرة دخول بناء على الدعوة الرسمية من المهرجان، فوجئ برفض طلبه للأسباب ذاتها، فما كان منه إلا أن سجّل احتجاجه البسيط من خلال صفحته على فايسبوك. ولم يُعرف حتى الآن مصير الدعوة المشابهة التي وجهت من المهرجان ذاته إلى فرقة «أشجار» وعرضها «ليلي داخلي» للمخرج سامر محمد إسماعيل.
الأمر لم ينحصر في الدول الأوروبية. سرعان ما وصل إلى العالم العربي. إذ وجهت «الهيئة العربية للمسرح» في المغرب دعوة لعدنان العودة لحضور فعاليات «مهرجان المسرح العربي» (13 حتى 16 يناير) في الرباط.
رفض منح تأشيرات دخول لمسرحيين
إلى المغرب

والدعوة ذاتها وجهت لمجموعة مسرحيين سوريين منهم هشام كفارنة، فرحان بلبل، وعدنان سلوم، وحسين درويش وعماد جلول. لكن سرعان ما بعثت الهيئة المسؤولة عن المهرجان رسالة اعتذار لهم بعد عجزها عن إصدار تأشيرة دخول لهم. في حديثه مع «الأخبار»، يقول عدنان العودة: «ما حصل معي لمرتين متتاليتين يدعو إلى الأسف والحزن من السياسات التي تتبعها هذه الدول تجاه من يحملون الجنسية السورية، وأخص المثقفين بالذات. وإذ اعتبر نفسي من هذه الشريحة التي تمثل الواجهة الحضارية لبلد عريق وعروبي كسوريا، فإني اعتبر أن سياسات كهذه بحق السوريين، ترقى إلى ما يمكن أن يُسمّى بالتمييز الذي بات يُمارس على السوريين على امتداد خرائط العالم». وتابع: «ما الذي يمنع مثلاً دخولي وغيري من مسرحيين وكتاب سوريين دولةً كالمغرب الشقيق للمشاركة في مهرجان نحن من أهم المشاركين في إقامته. هل سنحمل قنابل، أحزمة ناسفة؟ هل سنطلب اللجوء أم أننا سنحمل إلى هذه البلدان أجمل ما فينا من ثقافة وحضارة وتاريخ؟ هذا الأخير هو ما نحن عليه، حتى في الأيام الكالحة التي تمر بها سوريا اليوم. ولهذا، فإنني أجد أن سياسات كهذه تحمل الكثير من العار على متخذيها. أمثالنا ليسوا إرهابيين ليحموا بلدانهم منا، ولسنا لاجئين، ليخافوا أن نثقل عليهم. مثلنا مثقفون أحرار، وسفراء لبلدنا سوريا حيث كنا، وليس لنا إلا أن نغادرها زائرين إلى بلدان أخرى، لنعود إليها، فما من فضاء يسع أرواحنا سواها».