تذهب بعضُ المراجع إلى اعتبار الفيلم الذي لم يتدخل فيه المخرج لصناعة لقطة جمالية، بمعنى أنّ يد الصناع لم تعبث بشكل الواقع، فيلماً وثائقياً، أما الفيلم الذي يحتوي على مشاهد مصنوعة بتوجيه من المخرج، حتّى لو كانت هذه المشاهد تصبّ في خدمة مضمون الشريط وهدفه، فإنّه يصنّف فيلماً تسجيلياً. ضمن هذا الاطار يعتبر فيلم «هلأ وقتها» الذي أعده وصوره الصحافي السوري ماهر المونس وأخرجه أحمد الأشقر فيلماً وثائقياً خالصاً.
في «هلأ وقتها»، حمل صنّاع الفيلم الكاميرا ومضوا في أزقة باب توما نحو «مقهى زرياب» الذي يشتهر بفعاليات ثقافية يقيمها بين فترة وأخرى. راحوا يسجلون بالصوت والصورة أمسيات موسيقية ومن ثم يأخذون آراء حول سؤال لطالما برز خلال سنوات الحرب الأربع: هل هذا هو الوقت المناسب لإقامة الأمسيات والندوات والحفلات والمسرحيات؟ ألا يستوجب ظرف الحرب من المُشتغلين على تنظيم فعالياتٍ كهذه، الانكفاءَ إلى حين انتهاءِ طقسِ الحداد الطويل الّذي يسكن قلوب السوريين؟
ضمن 8:35 دقيقة، يتنقل الفيلم في مكان واحد هو «مقهى زرياب» ليستطلع آراء عدد من الناس قصدوا المقهى لحضور أمسية موسيقية. وهنا وقع الفيلم في أولى سقطاته ليكون فيلماً غير محايد، فكلّ المشاركين يمتلكون الرأي نفسه، مما حوله إلى ما يشبه الريبورتاجات الإعلامية الموجّهة مسبقاً.
هي ليست التجربة اليتيمة لماهر المونس في إنتاج الأفلام. سبق له أن صنع أربعة أفلام قصيرة جميها تتناول الازمة السورية من جواب متباينة وكان قد حصل في العام الماضي على جائزة أفضل سيناريو في «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الاوّل» لعام 2014 عن فيلمه «عشر دقائق بعد الولادة» إخراج نادين الهبل.

تصوير الأماسي في «مقهى زرياب» في باب توما
لم يحتو «هلأ وقتها» أي تطور من ناحية الفكرة ولا من الناحية الابداعية ولم يكن هناك انتقال من عتبة إلى أخرى كما غفل عن جوانب مختلفة حاول المعد مراراً أن يصطادها من مشاهد لأمسيات ثقافية، فكان الفيلم عبارة عن تكرار لرأي واحد من أشخاص عديدين ولو بعبارات مختلفة مثل: «لأنو كل الناس عم تطلع برا البلد من موسيقيين وفنانين فئة قليلة اللي بقيت هون وهي عم تحاول تعمل شي»، و»هلأ لأنو كل الناس عم تتوجع»، و»هلأ لأنو بتأرخ هي المرحلة الصعبة بتاريخ سوريا»، و»هلأ وقتها لأنو نحن بمرحلة البناء»... وعن اختيار المكان، يقول المعد: «الاختيار كان على سبيل المثال وليس الحصر. «زرياب» له خصوصية كبيرة عند أهل الشام ببنائه الحجري وديكوره المميز».
ورغم توافر العناصر الفنية الأولية في الفيلم، يرفض المونس أن يعتبره فيلماً حقيقياً: «الغرض هو استطلاع الآراء حول فكرة معينة وتوثيق هكذا فعاليات هو فكرة للنقاش، إذ لم يكن الغرض منه ربحياً على الإطلاق.» ولهذا السبب كان العرض حصرياً على صفحة «قذيفة هاون» على الفايسبوك التي يتابعها ما لا يقل عن 700 ألف. وفي هذا الصدد، يشرح المونس: «قررت أن أعرضه على الصفحة كي لا يأخذ منحى سياسياً من جهة، ومن جهة أخرى الآن هو زمن السوشال ميديا، فصفحة «قذيفة هاون» بالنسبة إلى كثيرين هي أهم من كل المحطات السورية». لكن أليس هذا يقلل من شأن الفيلم؟ يجيب المونس: «لا أبداً غرضنا هو الانتشار بغض النظر عن معايير التسويق الأخرى». استغرق تصوير الفيلم سنة كاملة بإمكانيات بشرية وفنية متواضعة حيث اقتصر الفريق على معد يلعب في الوقت نفسه دور المصور بالإضافة إلى مخرج يُدير العمل. حاول الشابّان جاهدين توثيق «لحظات فرح» تشهدها العاصمة في زمن الحرب وهذا ما يُحسب لصناع الفيلم.

هلأ وقتها؟! | فكرة: ماهر المونّس

هلأ وقتها؟؟ 8.35 دقيقة، تشرح لماذا هلأ وقتها؟!| فكرة: ماهر المونّس

Posted by ‎يوميات قذيفة هاون في دمشق‎ on Tuesday, October 6, 2015