منذ أسبوع، اندلعت «الانتفاضة الثالثة» التي بدأت شرارتها من القدس المحتلّة، ووصلت الى باقي المدن الفلسطينية. «ثورة السكاكين» كما اصطلح على تسميتها جاءت مختلفة عن «الانتفاضة الثانية» (عام 2000)، إذ لعبت الثورة الرقمية في هذه الحالة دوراً حاسماً في فضح ممارسات الاحتلال الدموية والهمجية، وتكريس أيقونات ورموز كثيرة.
هذه الانتفاضة الجماهيرية العريضة التي تشارك فيها كل الفئات العمرية والجندرية، خرجت بأيقونات جديدة قوامها أطفال صغار ثائرون يحملون الحجارة بأيديهم الطريّة، وآخرون سقطوا على مذبح الشهادة. ولعل الشريط الأشد بلاغة كان فيديو المراهق أحمد مناصرة (13 عاماً) الذي تُرك يسبح بدمائه بعد إطلاق الرصاص عليه في قرية حزمة (شمال القدس المحتلة) وتعرض لشتائم ولألفاظ نابية من قبل المستوطنين الصهاينة الذين كانوا يتحيّنون لحظة لفظه الروح.
هذا الطفل لقّب بـ»محمد الدرة الجديد» في استعادة لأبرز أيقونات الانتفاضة الثانية عام 2000 الشهيد محمد الدرة الذي وثّقت لحظات استشهاده لحظة بلحظة في مشهد أثار الرأي العام العالمي وقتها. يمكن القول إنّ الانتفاضة الثالثة هي ولّادة أبطال وأيقونات بحق، رغم قساوة لحظة الاستشهاد.
شاهدنا صورة المراهقة الفلسطينية مرح بكري التي تبلغ 15 ربيعاً بعدما حوصرت من قبل الجنود الصهاينة وأطلقوا عليها النار في بلدة «الشيخ جراح» المقدسية، وبقيت أرضاً مضرّجة بدمائها.

صور لشباب يبتسمون وهم يتعرّضون للاعتقال... وأخرى لنساء ثائرات يشاركن في رمي الحجارة


وأمس، انتشرت صورة الشهيد بهاء عليّان أحد منفذي عملية الطعن في الحافلة الإسرائيلية في القدس المحتلة. ومعه تداول الناشطون منشوراً له يعود الى العام الماضي، ويتضمّن عشر وصايا للشهداء بعد استشهادهم. ومن ضمن هذه الوصايا أن لا يجعلوا من الشهيد الفلسطيني مجرّد رقم ينسى سريعاً، وعدم نشر البوسترات على الجدران بعد الرحيل، وإبقاء العين على ما سيجري لاحقاً، وترك الحزن جانباً، وتخطي الانقسام الفلسطيني الداخلي، وعدم تبني الفصائل لاستشهاده. وصايا عشر «ستدخل تاريخ الوعي الفلسطيني» وسيتحوّل عليّان سريعاً «إلى أيقونة خاصة جداً في تاريخ الوعي الفلسطيني والعربي» وفق ما قال الشاعر والكاتب الفلسطيني زكريا محمد على صفحته على فايسبوك.
شهداء فلسطين الأطفال الذين وُثّقت صورهم وأضحوا أيقونات مدمّاة، قابلتهم هبّة نسائية بطلاتها نساء ثائرات عدن الى الواجهة الثورية من جديد.
سرعان ما انتشرت صورهنّ وهنّ يقاومن بأجسادهن وعنفوانهن الاحتلال الصهيوني ويرمين الحجارة في وجهه.
هذه الصورة المشرقة والأيقونية لشكل من أشكال المقاومة، انزلقت للأسف في بعض المواقع الإلكترونية والحسابات الشخصية الى حفلات غزل وحصر ما يحصل بالجانب الجمالي فقط. وبهذا الأمر، حرّفت الأنظار عن القضية الأساس/ الانتفاضة. على سبيل المثال، عنون موقع mbc السعودي «فلسطينيات يدافعن عن الأقصى، يخطفن عن أنظار العالم». وبين الحجارة والسكاكين والعيون والقلوب النابضة، ثورة من نوع آخر أنبتت على وسائل التواصل الاجتماعي. ثورة قوامها ابتسامة قاوم بها شباب فلسطين قوات الاحتلال وهي تكبّل أيديهم بالأصفاد. ابتسامة روح حرة تحرس أرض فلسطين باللحم والدم.




إسرائيل ترتعد من الفيديوات

الشرائط المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي هدف أصحابها المستوطنون الصهاينة الى التباهي بأفعالهم الشنيعة تجاه الفلسطينيين وتوثيق أبشع الجرائم الإنسانية بحقهم، يبدو أنها لم تفعل فعلها وتحقق غايتها. لقد كانت مصدر قلق وانزعاج للسلطات الصهيونية لأنها تكشف وجهها المتوحش والإجرامي، مستدرجة ردات فعل أكثر غضباً من قبل الفلسطينيين، وأكثر تعاطفاً من قبل مشاهدي هذه الشرائط. لذا كان من الطبيعي لجوء الصهاينة الى الطلب من إدارة يوتيوب حذف هذه المقاطع المصورة يوم الخميس الماضي بحجة «تشجيع الفلسطينيين على العنف ضد الإسرائيليين».