يطلق الثنائي زياد سحّاب وأحمد حويلي ألبومهما المشترك الأوّل «عرفت الهوى» الليلة في قاعة «بيار أبو خاطر». بعد نقاشات طويلة، قرّر العازف والشيخ أن يخرج ألبومهما بهذا الشكل. يسرّ سحاب لـ «الأخبار»: «لقد عملنا كثيراً في البدايات. بعد ذلك أصبحت الأمور أسهل بكثير، أصبح الارتجال سمةً بارزةً في عملنا».
يشرح سحاب كثيراً عن الارتجال الذي يعتبره أساساً للموسيقى العربية يركّز عليه في حفلاته. بدوره، يؤكد «الشيخ» أحمد حويلي (هو شيخ فعلاً درس العلوم الدينية الحوزية ويستعمله زياد اللقب تحبّباً) أنه جرب الكثير من الطرائق الإنشادية، لكنه هذه المرة «يجرّب» شيئاً يحبه ويعشقه، فالغناء الصوفي هو «محبة» الله في خلقه، و»اتساعٌ في فهم وإدراك الأشياء والكون وماهيته». يبدو الثنائي مختلفاً للوهلة الأولى، بين عازف العود اليساري ذي الشعر الطويل، والشيخ المنشد القادم من مدرسةٍ دينية عريقة. لكن إذا دخلنا في أصل الأشياء، نجد أنهما يقتربان كثيراً من بعضهما، «لقد انسجمنا مع بعضنا سريعاً. وجدت نفسي مرتاحاً مع وضوح زياد وبساطته ومباشرته» يقول حويلي. أما زياد فيشير إلى أنّه «كان يبحث عن تجربةٍ مماثلة، لذلك كان لا بد من لقائنا».
يتكوّن الألبوم من تسع مقطوعات (أناشيد/ قصائد) سبعة لشعراء صوفيين معروفين (الحلاج، إبن عربي، السهروردي، رابعة العدوية) وقصيدتين للشاعر المعاصر مهدي منصور. لحّن سحّاب الألبوم (وعزف فيه على العود) ووزّعه موسيقياً، بينما شارك طراد طراد على الناي والكلارينيت، وفؤاد عفرا على الإيقاعات. أما الكيبوردز، فلجورج أبي عاد، فيما يأتي الكورس مكوناً من رامي الأمين وسليم اللحام.
يُفتتح الألبوم بموشح «يا مليحا» (مقام النهاوند) الذي يظهر هدوءاً عالياً. يبرهن سحاب هنا عن نضج عال في استعماله للموسيقى، وخصوصاً تلك في الخلفية. بدا شعر السهروردي ممزوجاً بحنكةٍ عالية مع استعمال صوت «الشيخ». وفي المقطع الثاني، يعود حويلي ليظهر «حرفته» بطريقة أجمل. الأغنية ذكية لتكون بداية الألبوم، وهي من أقصر أناشيده/مغنياته (3:14 ثانية).

يبرهن سحاب عن نضج
عال في موشح «يا مليحا»

«أبواب بيتك» هي تعاونهما الأوّل مع الشاعر اللبناني مهدي منصور (شارك في مسابقة «أمير الشعراء») في هذا الألبوم. القصيدة/ المغناة طويلة نسبياً (9 دقائق و16 ثانية)، يقدّمها سحاب بموسيقى أطول من المعتاد وبصوت الشيخ حاكياً وليس مغنياً في البداية. يعود ويبدأ بالغناء شيئاً فشيئاً، ببطءٍ متعمدٍ قد يكون متعباً للمستمع الجديد، لكنه الأقرب إلى تقنيات الصوفية في الغناء المتدرج. الموسيقى تركيبية هنا، وتبدو كلمات القصيدة مكملةً للصورة التي يريدها توأما العمل.
أما في «ألا يا أيها الساقي» (على مقام الكرد مع قليل من النهاوند)، فتختلف طبيعة الموسيقى. يُسمع الدف/النقريات بشكل أوضح مع التركيز على صوت الخلفية (يبرز كثيمة عمل في مختلف أرجاء الأناشيد/ القصائد). هنا يظهر استعمال الكورس بشكلٍ مباشر (أول استعمال له في الألبوم) وهو استعمال موفق للغاية. وثمة «المتكرر/المعاد» على طريقة «الزار» المصرية، وهي قد تحتسب نقطة «ثقل» جيدة للقصيدة، خصوصاً مع صوت حويلي الذي يكمل الفراغ.
«مرّي» (10:02 الطويلة نسبياً) هي التعاون الثاني في الألبوم مع مهدي منصور. يحاول سحاب هذه المرّة قول كلمته الموسيقية (تبدو الأغنية الأقرب إلى قلب/ أداء سحاب، خصوصاً مع استعمال الناي للعازف السوري الموهوب طراد طراد). الموسيقى حنونة/ دافئة يضيف إليها أداء زياد سحاب الغنائي (يشارك بصوته مؤدياً في هذه الأغنية) شيئاً من الحميمية. يقترب الأداء من «الشجن/الشجي» أكثر من اللغة الموسيقية السابقة في الألبوم؛ ليعود حويلي ويشارك على نفس الوتيرة. لا يغادر لغة الأغنية نهائياً، مع اختلاف طبيعتي الصوت إلا أنه حتى حين يرفع طبيعة الغناء (3:52 وصعوداً) يشعرنا الشيخ بحزن مطلق، ممزوج بطبيعة موسيقية متمكنة. في الدقيقة 9:02، يؤكد حويلي مهارته المرتفعة، فيعطي أداءً ماهراً يذكرنا بمشايخ «الطريقة» الصوفيين الأصليين.

«عجبت منك ومني» (القصيدة للحلاج) ربما هي من أشهر قصائد شاعر الصوفية الأصيل. منذ البداية يظهر عود زياد سحاب ويتعامل بهدأة مع طبيعة القصيدة. تسكت الموسيقى أحياناً لتترك لحويلي فرصة إطلاق صوته بحرية (من الدقيقة 4:06 صعوداً). يختلف صوت حويلي عن معتاده في الألبوم، يقترب من تاريخه القادم من خلفية ثقافية/ فنية بامتياز (لديه عدد كبير من الألبومات يؤدي فيها الندبيات والتواشيح الدينية والوطنية). في الدقيقة 5:32، يظهر العود مجدداً ونفس مساحات حويلي الخاصة، فإذا بنا أمام صراع جميل بين اللعبة الموسيقية وحرفة حويلي الخاصة.
أما في قصيدة «قمر» (7:03 ــ لشاعرها الصوفي غير المعروف كثيراً ابن العرندس)، فيأتي الناي كما العود لـ «يشرّقا» الأغنية كثيراً، ويقرباها من المستمع العربي/المشرقي. يحاول سحاب وحويلي أن يقدما شيئاً «شرقياً خالصاً»، وربما هي من أكثر مُغنيات الإصدار اقتراباً من الأداء الصوفي المعتاد. تتحدث القصيدة عن الإمام الحسين الذي يعتبره حويلي إمام الحرية والعشق أولاً وآخراً، ما يعطي هذه القصيدة التي «تناجيه» شيئاً من الخصوصية بالنسبة إلى «الشيخ» (يمكن مراقبة كيف يرتفع أداء حويلي من الدقيقة 3:42 صعوداً). «عرفت الهوى» قصيدة رابعة العدوية الشهيرة منحت الألبوم عنوانه. تأتي مزجاً خاصاً، وإن كانت تحتاج للعمل عليها أكثر. هنا يعود استعمال الكورس مرة أخرى، ويبدأ زياد سحاب الأغنية (كما في «مرّي») لكنه بدا منهكاً بعض الشيء، لربما لطبيعة الكلام الثقيل الذي يحتاج مغنياً أكثر تمرساً في لحظةٍ ما. في الدقيقة 3:43، يطل حويلي وبنفس طريقة أغنية «عجبت منك ومني» تترك له الموسيقى مساحةً لإبراز قدرات صوته. في قصيدة محيي الدين ابن عربي «حمامات الأراكة» (9:01)، تبدو الموسيقى «غربية» بعض الشيء، تختلف عن «معتادات» الألبوم بنفسه أو أعمال الصوفية بشكل عام. حاول زياد أن يقدّم في هذه المقطوعة/ الأنشودة لغةً موسيقية تجريبية أخرى لكنه بقي محافظاً – بذكاء- على روح الألبوم وفكرته. يدخل حويلي وإن بدا «معتاداً» بعض الشيء في البداية، ليعود ويغيّر أداءه (في الدقيقة 2:51) مع أنّ الموسيقى لا تسمح بدخول أي نوع من الملل إلى الأذن المستمعة.
في بحر الهوى (لشاعر صوفي مجهولٍ آخر هو أبو مدين)، يعود سحاب إلى «صنعته» الأصلية أي العود، فيعطي مقدمةً موسيقية «عودية/ شرقية» بامتياز، لينحى إلى الخلفية بعد ذلك، ويترك حويلي يؤدي منشداً وإن ببطء. يعاب على الأنشودة اختفاء موسيقى سحاب (مقارنة بباقي الألبوم)، مع تأكيدنا مهارة حويلي وقدراته، إلا أنه في لحظةٍ ما احتاج «لدعمٍ موسيقي» لإكمال الصورة أكثر.
زياد سحّاب وأحمد حويلي ماهران ومحترفان في أدائهما، وألبومٌ «عرفت الهوى» تجربة تستحق الإعادة والتكرار.

أمسية زياد سحاب وشيخ أحمد حويلي: 20:30 مساء اليوم ـــ «قاعة بيار أبو خاطر» (الجامعة اليسوعية، طريق الشام) ــ للاستعلام: 01/421000