حسين بن حمزةلوحات محمد السمهوري في «زيكو هاوس» أشبه بروضة أطفال. نعلم مسبقاً أن عنوان المعرض هو «طفولة رجل». ولكننا نُفاجأ بأن اللوحات الـ23 منفّذة بخيال طفل قادر على تحويل الرسم إلى لهوٍ بالألوان. والنتيجة أننا أمام رجل يذهب إلى طفولة بعيدة ويلتقي بنفسه هناك. نرى إلى اللوحات غير قادرين على استبعاد فكرة أن السمهوري فلسطيني، وأن ما يرسمه يَحِيدُ عن طفولة الفلسطيني المفترضة في أذهاننا. كأنّ ما نراه هو طفولة مفتقدة أو مشتهاة. لا يُنكر الإنسان طفولته وأماكنها الأولى حتى لو كانت مصحوبة بتراجيديا مؤلمة كما هي حال السمهوري، الذي عاش طفولة أغلب أطفال فلسطين، ولكنه يقترح علينا طفولة «بدل عن ضائع». فكرة كهذه غير بعيدة عن طموحات المعرض.
لوحات المعرض متشابهة كثيراً. كأنّنا أمام جداريّة كبيرة مقسّمة إلى لوحات أصغر. لوحات داخل جدارية. اللوحات مقسمة بدورها إلى مربعات متجاورة. لوحات داخل لوحة. يشبه ذلك أن نرى مسرحاً داخل مسرح. التشابه بين اللوحات متحصِّل من مصادر أخرى أيضاً. الأطفال السعداء المرسومون بقياسات موحّدة تقريباً. الألوان السعيدة والزاهية والمشعة: البنفسجي والزهري والأزرق والأصفر والأحمر. ما ينقص هنا هو أن نسمع البهجة المتصاعدة من حركة الأطفال داخل اللوحات، حيث يُزاحمهم فيها عازفون ومهرجون وطيور وأشجار وكراسٍ وأشكال وخطوط ملونة.
ثم

كأنّنا أمام جدارية كبيرة مقسّمة إلى لوحات أصغر

ة بساطة في داخل اللوحات المنجزة بألوان الأكريليك الساطعة. باستثناء ترك وجوه الأطفال خالية من الملامح، لا نجد طبقات أو إحالات مقترحة تحت سطوحها. نستغرب ذلك في ظل معرفتنا بأن السمهوري كتب الرواية والشعر والقصة القصيرة. المفروض أن يسمح الرسم بتسرُّب مذاقات وروائح من عوالم الكتابة ومناخاتها، وخصوصاً أنها تتّصف بشيء من القسوة والخسارة وفوات الأوان. كأن العودة إلى الطفولة استنفدت فكرة السمهوري عن المعرض. الخشية هنا أن تُوضع أعماله في باب الرسوم التي يُستعان بها في تنفيذ الديكور الداخلي لرياض الأطفال. لعل هذا يفتح باباً جانبياً أمام المتلقّي، إذْ يتراءى له أن الزينة والزخرفة تتفوَّقان على أي معنى آخر قد يخطر في باله. أو لعلّ السمهوري تجنَّب توريط المعرض في أفكار وطموحاتٍ أكبر من فكرته البسيطة. تبريرٌ كهذا لا يملك وجاهةً مقبولة بالطبع، ولكن الحيادية والبساطة والابتعاد عن المعاني والوظائف المباشرة للفن صفاتٌ تصلح لتأويل المعرض ومشاهدته بصفاء وسلاسة.
في النهاية، علينا أن نصدِّق أن صاحب «احتفال أسفل اليد» أراد أن يدعونا إلى احتفالٍ بطفولة مُنتزعة من براثن الواقع وكوابيسه.


حتى 30 كانون الثاني (يناير) ـــــ «زيكو هاوس» (سبيرز/ بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/746769