حسين بن حمزةما يستوقفنا أولاً في مجموعة «أتحرك فقط ليكنسوا الغبار تحتي» (الغاوون) لرولا الحسين هو العنوان الشبيه بقصيدة مكتفية. إلى جوار شعريته اللافتة والمُعدية، يقول لنا عنوان ديوان الشاعرة اللبنانية، أشياء كثيرة سنزوَّد بها ونحن نتصفح سبعين قصيدة قصيرة مشغولة بسرد عالم صغير ومُضجر تعيش فيه امرأة صغيرة وسريعة الضجر. القصائد، بهذا المعنى، أشبه بيوميات أو استيهامات أو ذكريات مكتوبة على عجل. ثمة أفكار وأسرار شخصية مدسوسة في هذه الكتابة. كأن الشاعرة تشاطرنا عالمها وترثيه لكي تتخفّف من آلامها وخساراتها وسأمها. هناك حياة مدينية حاضرة بقوة في المجموعة. بطلة القصائد امرأة تعيش غربة وجودية وواقعية. الشعر هنا هو محاولة لتوثيق أجزاء من سيرة شخصية، حقيقية أو متوهمة، لا فرق: «أطير كثيراً/ حين أنام/ فوق الحقول/ والبيوت/ وفي الأزقة/ يرونني أطير/ ولا يصدقونني/ حين أستيقظ». المرأة غالباً وحيدة ومهجورة. الآخر مرتجى أو غائب: «أسدلتْ المدينة عاماً آخر/ وترنَّح الأصدقاء/ بين حانات شارع الحمراء و«الدومتكس»/ ظهرَ هو/ يحيط بذراعيه امرأة أخرى/ هذا ما قالوه لي/ فقد كنت خارج المدينة/ أُمضي وحدي ليلة رأس سنة أخرى».
الحب مكتوبُ بتقنيات مختلفة. في قصيدة «بدل عن ضائع»، نقرأ: «بنيُّ العينين/ يضع حذاءً أحمرَ/ في قدميه/ صالةُ سينما في رأسه/ ويظنّ أني رائعة»، بينما في قصيدة «اكتفاء»، يُرى الحب من زاوية أخرى: «كان لدينا متسعٌ / من الوقت/ بل الوقت كله/ لنقول ونفعل/ كل شيء/ فغفونا»، وكذلك في قصيدة Keith Jarret: «عزفَ في غرفة الجلوس/ المقطوعةَ نفسها/ حتى الصباح/ لأنكَ نسيت/ أن تستأذنه/ قبل أن تخلدَ إليّ».

أسرار مدسوسة في كتابة تفوح منها رائحة الخسارة
لا يختزل الحب كل المجموعة. الجغرافيا التي تتحرك فيها الكتابة متشظّية بين الواقع والوهم. بين ماضٍ ما عاد ممكناً استعادة طمأنينته وحاضرٍ يصعب العثور على طمأنينة مماثلة فيه. بين ما ظُنَّ أنه فرحٌ سيستمر وبين الأسى الذي مكث بدلاً منه. المرأة الحالمة والمهجورة تتلقى ضرباتٍ من نوعٍ آخر. في قصيدة «نصيحة»، تنصح نفسها أو تعنِّفها: «انتظري شيئاً آخر/ وكفّي عن مشاهدة تلك الأفلام/ على الأقل كفّي عن شرائها». ثم تعزّي نفسها في قصيد «سرّ»: «بعضنا ينتظر الوقت كلّه/ أنا و«بعضنا»/ نتشارك الكثير».
ليست كل القصائد على سوية واحدة. بعضها منجز بضربات شعرية موفقة، وبعضها الآخر لا ينجح في إنجاز ترجمة شعرية ناجحة ومقنعة. لكن حتى في الحالة الثانية، نجد فكرة أو تفصيلاً أو سطراً نحبُّه، تفوح منه رائحة الخسارة. أليس الشعر فنّ تدوين الخسائر؟
حسين...