كان الإعلام المستفيد الأول، أمس، من حال الانقسام العربي، الذي حال دون إمرار مشروع المفوضيّة العربية للإعلام خلال اجتماع وزراء الإعلام العرب، الذي انتهى إلى تأجيل المشروع عاماً والتنديد بقرار الكونغرس الأميركي معاقبة الفضائيّات المناوئة للولايات المتحدة، مرفقاً بالتنديد بالإرهاب والتطرّف
القاهرة ــ الأخبار
لم تكن المفوضيّة العربية للإعلام، أمس، بنداً أساسيّاً على جدول أعمال وزراء الإعلام العرب، بعدما اتفق على تأجيل المشروع إلى آخر العام الجاري، بفعل الاعتراضات العربية، وهو ما أثار حفيظة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي واصل دفاعه عن الفكرة، مشيراً إلى أنها فهمت على نحو خاطئ.
ومع تأجيل مشروع المفوضية، احتكر مشروع القرار الأميركي لمعاقبة الفضائيّات المناوئة للولايات المتحدة مساحة النقاش، خرج بعده الوزراء بتوصيات حاولت إمساك العصا من الوسط. فمع رفض المشروع الأميركي، أعلن الوزراء تأييدهم للجهود الإعلاميّة لمكافحة التطرف والعنف والطائفية والإرهاب والتحريض.
وطلب وزراء الإعلام من وزراء الخارجية العرب «القيام بتحرك في الولايات المتحدة لإظهار الأثر السلبي الذي يمكن أن يحدث في حالة صدور قرار بفرض عقوبات على مشغّلي القنوات الفضائية العربية، بالتنسيق مع المؤسسة العربية». وقرروا تأكيد «مواصلة الدول العربية لجهودها الإعلامية لمكافحة التطرف والعنف والطائفية والإرهاب والتحريض عليه مع التمسك بحرية الإعلام والدفاع عنها ورفض كل محاولات التضييق عليها، مع ضرورة التمييز بين الإرهاب وحق الشعب العربي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي». وطالبوا بالسعي لدى القنوات الفضائية الأجنبية «لعدم بثّ برامج إعلامية تحريضية ضد العرب والمسلمين».
وبشأن إنشاء مفوضية دائمة للإعلام العربي، قرر وزراء الإعلام توجيه الشكر للأمين العام للجامعة العربية على المشروع. وطالبوا بعقد دورة استثنائية للجنة الدائمة للإعلام العربي بمشاركة خبراء قانونيين وإعلاميين من الدول العربية والمؤسسات والهيئات العربية الممارسة لمهام إعلامية لمناقشة الملاحظات الواردة من الدول العربية على المشروع، على أن يعرض على مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الاعتيادية 43 في حزيران 2010، تمهيداً لإقراره في دورة استثنائية لمجلس وزراء الإعلام العرب خلال شهر تشرين الأول 2010.
وكان للقدس نصيب أيضاً من التوصيات العربية، إذ قرّر الوزراء أن تبرز وسائل الإعلام العربية أهمية مدينة القدس والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية بالنسبة إلى العرب والمسلمين والمسيحيين، وكشف المخططات الإسرائيلية للرأي العام العربي والعالمي وتوثيقها.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الإعلام المغربي خالد الناصري، في أعقاب نهاية الاجتماع، واصل موسى دفاعه عن مشروع المفوضيّة، مشيراً إلى أن «هناك التباساً فعلاً في العالم العربي، ذهنيّاً ونفسيّاً، وأن هناك شيئاً من الشك بوجود مؤامرة». وأضاف «هذه المفوضية لم تنشأ لتراقب أو لتستخدم مقصّاً أو عصا وليس هذا من سلطتها بعدما تبيّن أن الوثائق السابقة التي كانت محلاً لشكوك وثائق استرشادية وليست ملزمة».
وفي ما يتعلّق بالمشروع الأميركي، قال موسى إن «الجميع مطالبون بالعمل على وقف بث الكراهية»، لافتاً إلى أن بعض القنوات الفضائية الأميركية تبث الكراهية ضد العرب. وأضاف أن «المسألة ليست من طرف واحد، بل من الطرفين. ونحن جميعاً مطالبون بالعمل على وقف ذلك».
وكان اجتماع وزراء الإعلام قد شهد انقساماً حاداً حول مشروع المفوضية. وقالت مصادر عربية إنه تأجّل بتّ مشروع المفوّضية الخاصة بالإعلام إلى العام المقبل لمزيد من الدراسات ولتفادي الانتقادات الموجهة للمشروع من قبل دول عربية عدة، بينها سوريا والسعودية.
لكن موسى دافع باستماتة عن مشروع إنشاء مفوضية عامة للإعلام العربي. وقال إن «هذا المشروع يهدف إلى تحديث منطلقات الخطاب الإعلامي العربي وضمان مستوى عال من الموضوعية في محتواه كسباً لثقة المواطن العربي وإرساء لصدقية هذا الخطاب لدى الرأي العام العالمي»، مشيراً إلى أن المشروع الذي اقترحه يهدف إلى «التعامل الماهر مع كل ما ينشر ويذاع عن العالم العربي وقضاياه».
ورأى موسى أن «الجو الملتبس في العالم العربي أدى إلى إثارة الشكوك حول أي خطوة أو اقتراح، والمقصود من كل ما تعرضه الجامعة العربية في مختلف المجالات يهدف إلى المصالح العربية الجماعية وليست الفردية أو خدمة المصالح الضيقة على حساب فريق عربي آخر». وتمنى أن يتم إقرار المشروع من وزراء الإعلام العرب.
بدوره، رحب الناصري بإنشاء المفوضية. ورأى أن هذا «المشروع الكبير، بالنظر إلى أبعاده الاستراتيجية، مرشح لإثارة العديد من الملاحظات الرامية إلى إحكام ميكانيزميته حول طبيعة هذه المفوضية وعلاقتها بالهياكل الموجودة». وشدّد على «الالتزام العربي الواضح والصريح برفض أي لجوء من قبل الفضائيات العربية إلى التحريض على العنف والإرهاب».
أما وزير الإعلام اللبناني، طارق متري، فشدّد على «أهمية الارتقاء بالإعلام العربي بما يعزز صدقيّته وقدرته على مخاطبة العالم، وخصوصاً في ظل التطورات المتسارعة التي يواجهها».
وشدد متري على رفض لبنان للتضييق على الحريات الإعلامية، معرباً عن قلق بلاده من الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة لتشديد الإجراءات على وسائل الإعلام. ودعا إلى اتخاذ تدابير إزاء هذه الإجراءات، لافتاً إلى أهمية الإجراءات التي قام بها مجلس السفراء العرب في واشنطن إزاء مشروع قرار مجلس النواب الأميركي.
وفي ما يتعلق بالمفوضية العليا للإعلام العربي، أكد متري أن «نجاح تلك المفوضية يقتضي إزالة الالتباسات حولها والعمل على الترسيخ لإعلام حر يتمتع بالصدقيّة والإسهام في تكوين رأي عام حر يقوم على الحرية وممارسة السياسات النقدية».
في المقابل، قال معاون وزير الإعلام السوري، محمد رزوق، إن قرار مجلس النواب الأميركي يمثل «استباحة للسيادة الوطنية للدول العربية وانتهاكاً واضحاً لحرية الإعلام التي تحميها التشريعات الدولية والوطنية، ويعدّ دليلاً على تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما في وعوده في المجالات المدنية والسياسية التي أعلنها من قبل، ويمثل تكراراً لأخطاء الإدارة الأميركية السابقة ضد المواطنين العرب والمسلمين».
وشدد رزوق على أن «السياسة الأميركية لا تزال تكيل بمكيالين عندما تتعامل مع العرب، فالمقاومة ضد الاحتلال تصبح إرهاباً ودعمها يوجب الجريمة، حسبما يرون»، مؤكداً رفض سوريا لكل أشكال الإرهاب، لكن مع التفرقة بين الإرهاب والحقّ المشروع في مقاومة الاحتلال.
ودعا رزوق إلى «دراسة مشروع المفوضية العامة للإعلام العربي على نحو أوسع ومشاركة جميع المعنيين للوصول إلى صيغة أفضل لا تظهرنا نسعى إلى عرقلة عمل المؤسسات الإعلامية والتأثير على حريتها والتضييق عليها».
يشار إلى أن منظمة «مراسلون بلا حدود» أعربت عن قلقها إزاء مشروع «مفوضية الفضائيات العربية»، التي قالت إنه بمثابة «هيئة للشرطة» من شأنها أن تمارس الرقابة على وسائل الإعلام التي توجّه انتقادات للحكومات العربية.