القاهرة | لم ينتظر وزير الثقافة المصري حلمي النمنم طويلاً، قبل أن يبدأ معاركه على المستويين العملي والنظري. بعدما أصدر قراراً بإعادة أنور مغيث إلى موقعه على رأس «المركز القومي للترجمة» بعد إنهاء انتداب هذا الأخير إبان ولاية الوزير السابق عبد الواحد النبوي، ها هو النمنم يشتبك مع حزب «النور» السلفي، وبعض الأقلام الوهابية، من أبواق آل سعود، على رأسهم الإعلامي السعودي جمال خاشقجي.
حروب الوزير وتحرّكاته السريعة خلال الأيام الماضية تنبئ بفترة مليئة بالمواجهات، بخاصة بعدما صعّد السلفيون حربهم ضده عبر كوادر حزب «النور» و«حركة الدعوة السلفية»: ياسر برهامي نائب رئيس «الدعوة السلفية»، ويونس مخيون رئيس حزب «النور» الذراع السياسي لـ «الدعوة السلفية»، ومحمود حجازي أمين حزب «النور» في بورسعيد. الأخير كتب عبر حسابه الخاص على فايسبوك: «الوزير عند توليه مهمات منصبه، يبدو أنه لم يقسم على احترام دستور البلاد الذي ينص في مادته الثانية على أنّ دين الدولة هو الإسلام، لكنه أقسم في ما يبدو أن يتخذ وزارة الثقافة له ولغيره من المثقفين والتنويريين كما يسمون أنفسهم إرثاً أو عزبة ورثوها عن آبائهم يضعون فيها دستور وهوية مصر تحت أحذيتهم».

أعلن رفضه إقامة دولة دينية وتصدير الوهابية إلى مصر
وأضاف: «إن السيد النمنم ينادي بعلمنة مصر الأزهر وبفصل الدين عن الدولة حتى تتحرر مصر من الظلام الذي أصابها بعد دخول الإسلام إليها، وعلى ما يبدو أيضاً فإنّ سيادته قد ظن أنه صار وزيراً لثقافة إحدى دول الاتحاد الأوروبي أو ربما وزيراً للثقافة في دولة الفاتيكان حتى يتقيأ بمثل هذا الكلام».
وتأتي هذه الحرب الشرسة التي تشنّها التيارات الدينية السلفية ضد النمنم إثر تصريحات عدة، أدلى بها الوزير في منابر عدة أبرزها أنّه «يجب تغيير الفقه الإسلامي وإلا ستكون فضيحتنا أمام العالم كله»، ودعوته إلى «خلق فكر جديد للبلد في هذه اللحظة التاريخية، وعلى هذا الفقه مراعاة الاتفاقيات الدولية، ومن حقنا أن نعتز بالإسلام ونفخر به ولا نتركه لـ «شوية متطرفين»». وفي برنامج «هنا العاصمة» على فضائية cbc، صرّح النمنم في مداخلة هاتفية: «أرفض إقامة دولة دينية على أرض مصر، الشعب المصري متدين لكنه رفض الدولة الدينية على مدار تاريخه».
واختتم وزير الثقافة المصري تصريحاته التي رسمت ملامح المواجهة المرتقبة بين وزارة الثقافة بكل أدواتها ومن يتحالف معها من أبناء الدوائر الثقافية والإعلام المصري، في مواجهة اليمين الإسلامي المتشدد، لا في مصر فقط، بل أيضاً في المنطقة العربية: «أرفض تصدير الوهابية إلى مصر». جاء ذلك خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «العاشرة مساءً» على فضائية «دريم». هذا التصريح استدعى رداً من الكاتب السعودي جمال خاشقجي الذي قال: «يقول وزير ثقافة مصر إنه يحترم الوهابية ولكنه ضد تصديرها، وردي أن الوهابية لا تصدر، وهي قِدم النهضة المصرية، ورموزها تلاميذ الشيخ محمد عبده».
من جهة أخرى، يواصل النمنم جهوده على مستوى الوزارة بنيّة إعادة ترتيب البيت. هكذا، أعاد أنور عبد المغيث إلى منصبه كرئيس لـ «مركز القومي للترجمة». وكان قد أصدر قبل ذلك بأيام قراراً بتولي هيثم الحاج علي أعمال رئيس «الهيئة العامة للكتاب» لمدة عام واحد. وأخيراً يبقى التغير المرتقب مرتبطاً بـ «المجلس الأعلى للثقافة»، أحد أهم القطاعات الثقافية في مصر. وتؤكد التصريحات التي أدلى بها الوزير، خلال لقائه بمجموعة من المثقفين المصريين في «ورشة الزيتون» التابعة لحزب «التجمع» الاشتراكي على أنّ تغييراً قادماً في هذا الموقع، خصوصاً مع إعلانه عن نيته استحداث لجان جديدة في المجلس والعمل على إعادة هيكلته. وتبقى أسماء المرشحين لتولي منصب أمين «المجلس الأعلى للثقافة» غير واضحة، وإن كان محمد عفيفي وعماد أبو غازي ضمن الترشيحات.
بشكل إجمالي، يبدو جلياً أن وزير الثقافة الجديد في القاهرة ينوي أن يقتفي خطوات سلفه عبد الواحد النبوي، لا ليقتدي بها، بل ليمسحها خطوة خطوة، ويعيد إصلاح ما أتلفه الوزير السابق الذي فرّغ الوزارة من كوادرها، وتحالف مع المؤسسة الدينية متمثلة في وزارة الأوقاف.