لم تمرّ أحداث نجع حمادي على خير. ها هو الاحتقان الطائفي ينتقل إلى «فايسبوك» و«يوتيوب» ويجد متنفّساً له على المواقع التفاعلية
ليال حداد
يصرخ الكاهن بأعلى صوته «مالناش غيرك يا رب»، فيكرّر الحاضرون في الكنيسة العبارة. يبكي الرجل على ضحايا أحداث نجع حمادي، فيبكي الحاضرون أيضاً. هذا المشهد الذي لا تتجاوز مدته الدقيقة، استطاع جذب أكثر من 55 ألف متصفّح على موقع «يوتيوب». الحدث ليس الشريط، ولا صلاة الكاهن القبطي، بل التعليقات التي تركها المشاهدون.
تعليقات إن دلّت على شيء، فعلى حجم الاحتقان الطائفي الذي يسود الشارع المصري، وقد وجد متنفّساً له على الشبكة العنكوبتية والمواقع التفاعلية.
«أقباط إيه، وزفت إيه. بلاش قرف، إزاي نعطي أهمية للأقلية. المفروض إن الأقلية تهمَّش ولا يكون لها وجود أصلاً»، يكتب أحد الشباب رداً على هجمة شرسة شنّها الأقباط على المسلمين في مصر، تعليقاً على الشريط. يأتي الجواب سريعاً من «قبطي غاضب»، «أقول لكل المسلمين المضلَّلين، ماذا تريدون؟ تقتلون أولادنا وتريدون أن نسكت؟ عيب عليكم التحريضات بتطلع من شيوخكم بعد صلاة الجمعة والأمن سامع وساكت؟».
المعركة حامية إذاً، على جبهة «يوتيوب»: عشرات الأشرطة عن الحادثة، توثيق لمختلف الحلقات التلفزيونية والبرامج التي ناقشت الملف ـــــ وخصوصاً برنامج «القاهرة اليوم» ـــــ إضافةً إلى آلاف التعليقات الغاضبة و... السوقية أيضاً.
الكاهن نفسه، يظهر في شريط آخر ليقرأ رسائل بعثها أقباط من مختلف أنحاء العالم بعد حادثة نجع حمادي، ويقترح بعضهم عليه حمل السلاح، لكنّه رفض قائلاً «ديننا دين محبة». لكن يبدو أن هذا «التسامح» لم يعجب مشاهدي الشريط، وخصوصاً في ظلّ هذه الظروف. إذ علّق أحدهم بلغة حازمة «نريد السلاح، إذا هاجمنا المسلمون مرة ثانية، فمن يدافع عنّا؟».
ومن «يوتيوب» إلى «فايسبوك»، تأخذ المواجهة طابعاً مختلفاً وشخصيّاً. «من قال إن الدين لله والوطن للجميع، هو حمار كبير. أي إله مقصود؟ الله عربي والدين عند الله هو الإسلام. هذا هو إيمان المسلمين وإيمان العرب»، يقطع الشاب في مجموعة «دماء شهدائنا ضحايا الطائفية والتعصب لن تضيع هدراً»، الطريق أمام أي نقاش مع باقي أعضاء المجموعة.
واللافت هنا، ليس النقاش المتعصّب ولا التعليقات الساخرة من معتقدات وممارسات الآخر، بل الصور التي ابتكرها أعضاء المجموعة. هكذا امتدّ غضب بعض الأقباط، ليصل إلى منتخب كرة القدم. وقد صمّم أحدهم صورة سوداء عليها صورة لاعب في المنتخب المصري يرتدي «تي ـــــ شيرت» مكتوب عليها «نحن فداك يا
رسول».
وذيّل الصورة بعبارة «حَ نقاطع منتخب الساجدين... المنتخب الإسلامي المصري». وتحت العبارة، نرى صور ضحايا أحداث نجع حمادي.
لكن الهجوم الأقسى شنّه الأعضاء الأقباط في مختلف مجموعات «فايسبوك» على الرئيس المصري حسني مبارك «وابنَيه السفّاحَين جمال وعلاء، الذين صمتوا ودماء أبنائنا تروي شوارع نجع حمادي». كذلك نشر بعضهم صوراً مشوَّهة للرئيس وابنَيه وفي أيديهم سكاكين تقطر دماً، في إشارة إلى المسؤولية غير المباشرة التي يتحمّلها هؤلاء. وذهب بعض الأعضاء في مجموعة «أوقفوا اضطهاد الأقباط» أبعد من ذلك، مطالبين الدول الأوروبية وأميركا بإعلان حرب صليبية على مسلمي مصر «لأننا إن لم نتحرّك اليوم، فسيقضي المسلمون السفاحون على كل مسيحي يتنفّس».

بدا الوضع أكثر هدوءاً على مدونة «الأغلبية الصامتة في مصر»
أما على جبهة المدوّنات، فبدا الوضع أكثر هدوءاً، وبرزت محاولات لفهم ما جرى وخلفياته، بعيداً عن التجييش الطائفي. على مدوّنة «الأغلبية الصامتة في مصر» مثلاً، رصد المدوّن أحمد سمير طريقة تغطية وسائل الإعلام لحادثة نجع حمادي، وسلّط الضوء على دور التلفزيون في التعبئة الطائفية. ولعلّ أبرز ما كتبه كان: «من زمان وفي ظل سيطرة الإعلام الحكومي الرسمي، كان مشهد تقبيل البابا، لشيخ الأزهر كفيلاً بإزالة أيّ احتقان بين المسلمين والأقباط وتهدئة خواطر الغاضبين من الجانبَين بسبب حادثة هنا أو هناك (على قلّتها)» وأضاف: «أما الآن، ونحن في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فأصبحت مشاهد الصداقة الحميمة بين الدينيين الرسميين تثير الضحك». وركّز سمير على أنّ المصريين لا يصدّقون مراجعهم الدينية المعتدلة، بل باتوا يستقون معلوماتهم من «مصادر وهّابية خليجية مثل قناتَي «الناس» و«الحكمة»... أو من قنوات متطرّفة قبطية كـ«الحياة».
لكنّ هذه النبرة الهادئة لا يمكن تعميمها على المدوّنات المصرية كلّها. في مدوّنة تحمل عنوان «يسوع المسيح هو الطريق»، انطلقت حملة تحريض كبيرة على المسلمين، وطالب المدوّن برفع مذكّرة إلى الكونغرس الأميركي تهدف إلى الضغط على النظام المصري من أجل وقف اضطهاد الأقباط.