سناء الخوري«بدي فلّ» تقرر صاحبة الثوب الأحمر. «أنا كمان بدي فلّ... ما بقا فيي عيش معك، إنت وحدة غوغائيّة...»، تجيبها ذات الثوب الذهبي والأزرق. خلف واجهة متجر ما، في ليل مدينة قد تكون بيروت، تدبّ الحياة في عارضتين من البلاستيك. في مسرحية «فيترين» التي بدأ عرضها أمس على خشبة «مسرح المدينة»، يدخلنا المخرج نعمة نعمة، إلى عالم دميتين من دون اسم، تعانيان رهاب الأماكن المغلقة، وتجدان في خضمّ الغبار والضجر بعض الوقت للحلم بالرحيل. مع جوليا قصّار وعايدة صبرا (الصورة ـــــ حسام مشيمش) على المسرح، نتتبع لعبة احترافيّة على صعيد الحركة والصوت والأسلوب. أداء تمثيلي على درجة عالية من التمكّن، يتحوّل إلى قصّة موازية، تتقدّم أحياناً على الحكاية. بدأ التحضير للعمل قبل عامين، حين كانت قصار وصبرا تبحثان عن نص وكاتب، لتأتي الخلاصة النهائية نتيجة لجهد مشترك بينهما وبين نعمة، بتمويل من «الصندوق العربي للثقافة والفنون». يبدأ كلّ شي حين تطفأ الأضواء في الشارع. تخرج الدميتان عن صمتهما، وتغوصان في حوار كأنّه مونولوج، يدور حول الفكرة نفسها: التوق للرحيل والخوف منه في آن واحد، رغبة الجسد بالحركة والرقص والرعشة، وعجزه في المقابل عن التفلت من إعاقاته. يختلط كل ذلك بذكريات حب مبهم وبقاياه المتمثلة بحذاء رجالي، وبوقفات متتالية أمام مرآة وهميّة. حبكة تتصاعد تدريجاً لتصل إلى لحظة الانعتاق الكامل، حين تغوص الدميتان في حلم جميل، وتتحرران من حركتهما. كلّ ذلك يدور خلف حاجز شفاف، يستخدمه المخرج كفيترين حقيقيّة، أو كحاجز ظلال صينية، وشاشة لبثّ فيديو. يراهن نعمة على ثلاثة مستويات نصيّة: النص المحكي، النص السمعي والنص البصري. هنا، تصبح لعبة الأكسسورات (حقيبة، أوشحة ملونة، سترات...) محطة أساسيّة في لاوعي البطلتين. يضاف إليها عرض سمعي بصري يسجّل وقفات في الزمان أو نقلة إلى عالم الحلم. حيناً، تمرّ سيارة فتتسمّر البطلتان، وأحياناً أخرى يحيطهما شاطئ بحر، أو ضوء عيد، فتصبح حركتهما أقل ميكانيكيّة. هكذا، يصبح الفيديو والميكساج عنصراً حقيقياً من النص لا مجرّد قيمة مضافة. وسط كلّ ذلك، لا يمكن المتلقي إلا أن يتماهى مع دميتين تحكيان ألمه وقلقه وإعاقاته وعقده، وتخافان مثله من الوحدة والغبار...

---

8:30 مساءً ــ حتّى 31 كانون الثاني (يناير) الحالي ــ «مسرح المدينة» (بيروت). للاستعلام: 01/753010