وطئ رفعت الجادرجي أرض بلاده بعد ثلاثة عقود من الغياب، وأعاد متحف بغداد فتح أبوابه... وفي شارع المتنبي الذي استعاد شيئاً من ألقه، سار مثقفو العراق يطالبون بحريّة التعبير...
بغداد ـــ حسام السراي
مشاريع في الإصلاح السياسي، استراتيجيات للنهوض الثقافيّ، ورفضٌ للالتفافات المتعددة على حريّة التعبير. مبادرات حملها مثقفو العراق خلال العام الماضي في محاولة لخرق جدار العنف والفوضى والاحتلال. هكذا خرجوا في آب (أغسطس) الماضي في تظاهرة في شارع المتنبّي، مطالبين بـ«ضمان حرية التعبير ورفض سياسة كمّ الأفواه».
إعادة افتتاح المتحف الوطنيّ في بغداد بعد سنوات من إغلاقه جراء ما لحق به من دمار ونهب، جاءت لتعطي دفعاً لتلك المسيرة مطلع 2009، ليشهد العام المنصرم نجاحات عدّة علت فوق أنين المعركة. إحدى بوادر الحياة التي بدأت تعود إلى شرايين الحياة الثقافية في بلاد الرافدين، كانت عودة النوادي والبيوت الثقافيّة إلى بلاد ما بين النهرين بمبادرة من منظمات واتحادات غير حكوميّة وتحوّلها إلى فضاءات «ضامنة لحيوية المشهد الثقافيّ العراقيّ وديمومته». هكذا تأسس «بيت الشعر العراقيّ» على شاطئ دجلة في «شارع المتنبي» الشهير قرب تمثال الشاعر العربي الكبير، حيث استضاف شعراء أمثال زاهر الجيزاني والشاعر رعد مشتت... وتأسس العام الماضي أيضاً «ملتقى الخميس الإبداعي» المعنيّ باستضافة الأسماء البارزة في الإبداع العراقيّ، بمبادرة من «الاتحاد العام للأدباء والكتّاب»، إضافةً إلى «نادي الترجمة» و«نادي السينما» وكلها كيانات مستقلة حاولت بثّ شيءٍ من الحراك في الأجواء الثقافيّة الراكدة. «شارع المتنبي» الذي طالته الكثير من الهجمات منذ بدء الغزو الأميركي للعراق، شهد أيضاً تأسيس «بيت المدى للثقافة والفنون». هناك، أقيم صباح كلّ جمعة لقاء احتفائي بأحد المبدعين الأحياء أو الراحل. هكذا، احتفى «المدى» بالخطاط والشاعر محمد سعيد الصكار والصحافيّ فائق بطي والروائيّ عبد الله صخي، واحتُفي كذلك بالمطرب الراحل ناظم الغزالي وبعالم الآثار طه باقر والمؤرخ فيصل السامر والشاعر محمد مهدي الجواهري...
على صعيد المسرح، تواصلت العروض العراقيّة في بغداد وفي المحافظات، وإن بدرجة أقلّ. واحتضنت خشبة «المسرح الوطنيّ» في العاصمة العراقيّة عروضاً عديدة، بانتظار تحقيق مطالب المسرحيّين العراقيّين بإعادة إعمار «مسرح الرشيد». عرضت خلال هذا العام، مسرحيات «خارج التغطيّة» لكاظم النصار، و«في جزيرة الماعز» لإبراهيم حنون، و«في قلب الحدث» لمهند هادي، و«فايروس» لعلاوي حسين و«حلم مسعود» لعواطف نعيم... في هذا الحين، تألفت «رابطة إنقاذ وإعمار مسرح الرشيد»، التي ستفعّل نشاطها بهدف إعادة افتتاح المسرح الشهير خلال العام الحالي، إضافةً إلى عودة الحياة إلى «منتدى المسرح» الذي نشط قبل عقد من الآن. ودائماً في مجال الفنون الأدائيّة، حازت بشرى إسماعيل جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي» عن دورها في مسرحية «صدى»، ونال عزيز خيون جائزة تكريمية من المهرجان نفسه، فيما كرّمت «أيام قرطاج المسرحيّة» في دورتها لهذا العام كلاً من الفنانة القديرة فوزية عارف، والأكاديميّ والناقد عقيل مهدي يوسف، والممثل رائد محسن.
أمّا على الصعيد السينمائي، فلم يغب الألم العراقي عن شاشات الفن السابع. مخرجون عراقيون أنجزوا أعمالاً بين إنتاج محلي وأجنبي، مثل قاسم حول الذي صوّر في البصرة فيلمه «المغني» بإنتاج فرنسي، يرافقه فريق عمل بين ممثلين وتقنيين عراقيين، ليكون الشريط الأول الذي يصور على أرض العراق منذ الاحتلال، ويتحدث عن الكوارث الإنسانيّة التي يصنعها الاستبداد السياسيّ. كذلك برزت أسماء سينمائيين شباب، منهم المخرج عدي رشيد في «كرنتينا» الذي يتناول يوميات الوطن وهمومه على نحو روائي، ومحمد الدراجي في «ابن بابل». وحضرت الأسماء المكرّسة، إذ قدّم قيس الزبيدي عمله التوثيقي «جبر ألوان» (عن حياة وتجربة التشكيلي العراقي جبر علوان)، فيما وثّق قاسم عبد «حياة ما بعد السقوط»، ولفت عباس فاضل الأنظار في عمله «فجر العالم» مع حفصية حرزي وهيام عباس...ورغم أزمة الصالات التي ظلت قائمة في ظل غياب الاهتمام الرسميّ بالسينما والثقافة عموماً، وجد السينمائيون حلولاً موقتة، فتواصلت العروض على شاشات عرض في قاعات ونواد، وحتّى في الأزقة والشوارع البغداديّة الرئيسية. هكذا، ذهب المخرج عطية الدراجي ومعه شباب آخرون إلى الجمهور، وعرضوا أفلامهم في الأهوار والجبال والفرات الأوسط، في إطار «مهرجان السينما المتنقلة» الذي حطّ أخيراً في بغداد.
ومثّلت عودة المعماريّ العراقيّ المغترب رفعت الجادرجي محطّة مضيئة في روزنامة العام المنصرم. عودة الرجل حملت معها أملاً بإعادته نصب الجنديّ المجهول في المكان نفسه الذي كان قائماً فيه في «ساحة الفردوس». احتفى المثقفون العراقيون بالجادرجي ضمن فاعليات «بيت المدى للثقافة والفنون» في شارع المتنبّي، في احتفالية ضخمة أعرب خلالها المعماري المعروف عن سعادته بالعودة إلى العراق، بعد 27 عاماً من الغربة.
إلى ذلك، شهد عام 2009 العديد من المعارض التشكيليّة لكفاح عبد المجيد، ونضال الآغا، وكامل حسين، وفاخر محمد، وستار لقمان، وفاروق حسن، وعلاء الحمداني، وعبد الجبار البناء، ومحمود عجمي، وصادق جعفر، وعلي رسن، وعلي محمد شواي، ومحمد الكناني، وموفق عبد الحميد.... كذلك أقيم أواخر العام «ملتقى ذي قار للإبداع التشكيليّ» بمشاركة سبعين فناناً عراقياً، في ما يُعَدّ «أضخم» معرض في تاريخ المحافظة. وقد عرض المشاركون أكثر من 120 عملاً نحتياً ولوحات زيتية وأعمال خزف وسيراميك.

تأسّس «بيت الشعر العراقيّ» على شاطئ دجلة في «شارع المتنبي»

اختُتم عام 2009 في بغداد بنشاط لدار «ثقافة الأطفال» حيث احتفلت في قاعة مقرها في بغداد (منطقة العلاوي)، بالذكرى الأربعين لتأسيسها الذي تمثّل في صدور أول عدد من مجلة «مجلتي» في 24 كانون الأول (ديسمبر) 1969. وأُقيم على هامش الاحتفال معرضان: الأول لرسوم الأطفال، والثاني لإصدارات الدار القديمة في السبعينيات من القرن الماضي، وهي من المطبوعات المفقودة منذ أحداث التخريب والنهب التي تعرضت لها عدد من المؤسسات العراقية عام 2003. وستواصل الدار البحث عن أعمالها المفقودة خلال عام 2010، لشرائها علماً بأنّ أرشيفها محفوظ في المكتبة الوطنيّة العراقيّة.
على صعيد الأدب، اختار «بيت الشعر في المغرب» منح «جائزة الأركانة العالمية للشعر» للشاعر العراقي سعدي يوسف. الجائزة التي تمنح للمرّة الرابعة كرّمت صاحب «الشيوعي الأخير يدخل إلى الجنّة» وإنتاجه الممتد على ستّة عقود وما يحمله من «مثابرة كتابية» تركت «آثاراً ملموسة ومحفّزة في الوعي الشعري العربي المعاصر وفي الذائقة القرائية في العالم العربي». وكان للأدباء العراقيين الشباب حصتهم في التكريمات، إذ اختار مهرجان «بيروت 39» الذي تنظمه مؤسسة «هاي فيستيفال» الإنكليزيّة العراقيّين أحمد سعداوي وباسم الأنصار ضمن لائحته النهائيّة، من دون أن ننسى حصول الروائي المغترب الشاب عباس خضر على منحة الآداب التقديريّة من «اتحاد الكتّاب الألمان».


sos