كلّما شعر «نقيب الفنانين السوريين» زهير رمضان بالملل، أعطى أوامره بإعداد قائمة من الممثلين ليُصدر «فرماناً» يقضي بفصلهم من «نقابته» التي بات يتصرّف وكأنّها ملكاً شخصياً. هكذا، لم نعد نسمع باسم هذه المؤسسة الرسمية الغارقة في غبار الروتين والقوانين المتآكلة إلا عندما تجتاح النقيب موجة ضجر شديدة، فيقرّر أن يُفرد سجلّاته ويصفّي حساباته ويُطيح بزملائه. وحتى يختصر الطريق على منتقديه الكثيرين ويوفّر عليهم عناء تحليلات تفضي بأنّ الفصل أتى على خلفيات سياسية، راح «أبو جودت» يجزّ يميناً ويساراً من دون التفريق بين موالٍ أو معارض.
تلك هي الحجة الدامغة ليجتث من يسميّهم «المسيئون للرموز الوطنية» أو من يعتبرهم «شذّاذ الآفاق»، وهي لازمته المعتادة التي يستخدمها في كل حديث إعلامي لوصف زملائه الذين يخالفونه الرأي حول ما يحصل في بلادهم. وفق هذا المنطق الغريب، هرعت النقابة مجدداً بحسب تصريح «رئيس الكراكون» لتحضير قائمة جديدة استعداداً لفصلها. وكأنّ الجولة الماضية لم تكن كافية بعدما طُرد بموجبها 200 فنان بينهم أبرز نجوم سوريا على غرار: جمال سليمان وحاتم علي وتيم حسن وباسل خياط، بحجة عدم دفع الاشتراكات السنوية (الأخبار 3/7/2015).
تؤكّد الممثلة ريم عبد العزيز رئيسة «مكتب الثقافة والإعلام» في «نقابة الفنانيين السوريين» في دردشة مع «الأخبار» أنّه «بالفعل يتمّ تحضير قائمة جديدة من الممثلين السوريين بهدف فصلهم من النقابة قريباً». أما عن الأسباب، فتقول: «عندما يصدر القرار ستعرفون الأسباب الموجبة لذلك، فكل شيء جميل في وقته».

التحضير لقائمة جديدة سيتم فصلها قريباً

توجهّنا إلى نجوم الدراما المقيمين داخل سوريا، منهم بسام كوسا، لتسجيل ملاحظاتهم على سلوك النقابة وإجراءاتها التعسفية بحقّ من يتوجّب عليها الدفاع عنهم ومساعدتهم عند الحاجة. فضل هؤلاء عدم الخوض في الموضوع لأكثر من سبب. ربما يبرّر تنصلّهم من الأمر ما شرحه لنا نجم سوري رفض ذكر اسمه حين قال: «عندما كنا نُدعى لحضور فعالية معينة يتم تعيين مكان الانطلاق من نقابة الفنانين. كنّا نجتمع أمام النقابة ونتحرّك من هناك من دون أن يخطر في بال أحد أن يضع قدمه داخل المبنى، لإيماننا المطلق بأنّ هذه ليست نقابتنا».
بدوره، يختصر النجم غسان مسعود الحديث مؤكداً أنّه «أنا ضدّ فصل أيّ ممثل من نقابته لأيّ سبب كان، أما التفاصيل فهي بحاجة لبحث طويل». من جانبه، يُحيلنا المخرج أحمد إبراهيم أحمد على ما كتبه على صفحته على فايسبوك في تعليقه على آلية عمل النقابة وتحوّلها بفضل سياسات القائمين عليها إلى صندوق جباية للرسوم والضرائب ليس أكثر.
من جهة أخرى، يشير لنا مصدر داخل النقابة إلى أنّ «الخلافات الشخصية لرمضان تلعب دوراً رئيسياً في إعداد القوائم المتلاحقة للمفصولين من النقابة. صفحات الفنانين على مواقع التواصل الاجتماعي لها دور كبير في هذا السلوك الإقصائي أيضاً».
بناءً على ذلك ومن خلال مراقبة الصفحات الافتراضية يكون «مختار البيسة» قد حقّق إنجازاً استخباراتياً هو «الأهم» من نوعه في تاريخ النقابة!
على الضفة الأخرى وعلى غفلة من الزمن، قرّر زهير رمضان في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي أن يبثّ الدماء في عروق مناسبة توقّف الاحتفال بها منذ زمن طويل وهي «عيد الفنانين». ولأنّ سوريا أوشكت على أن تفرغ من مُبدعيها، كان الاحتفال على مبدأ «العرس بمن حضر»، واللمة لأهل البيت النقابي وممثلي الدرجة الرابعة الذين صارت دعوتهم «واجباً وطنياً» في غياب المواهب الأصيلة. لم تخل المناسبة من حضور مجموعة من الممثلين المخضرمين على رأسهم دريد لحام ورياض نحّاس ورضوان عقيلي وأنطوانيت نجيب. حضور هؤلاء للاحتفال الذي أقيم في فندق دمشقي، جعل البعض يعتقد أنّهم ضمن لائحة المكرّمين، لكن تكريم النقيب انحصر بصديقه الشخصي تميم ضويحي وهو معدّ برامج في التلفزيون السوري، ومدير سابق لقناة «سوريا دراما».
ومن باب ردّ الجميل وتبادل الخبرات مع الأشقاء العرب، كرّمت النقابة كلاً من: رئيس «الاتحاد العام للفنانين العرب» و«نقيب السينمائيين المصريين» المخرج مسعد فودة، والمخرج عمر عبد العزيز رئيس «اتحاد النقابات الفنية المصرية»، إضافة إلى عادل حنفي المدير الإداري والتنفيذي لـ«اتحاد العام للفنانين العرب»، والمخرج صبحي سيف الدين «نقيب السينمائيين اللبنانيين»، والمخرج المسرحي صباح المندلاوي «نقيب الفنانين العراقيين». كما مُنحت بطاقة عضوية شرف في «نقابة الفنانين» لكل من المخرجين نجدت أنزور ومروان بركات، والمؤلف الموسيقي سعد الحسيني، والشاعر الغنائي والمؤلف الموسيقي سعدو الديب، والمغنية ميادة بسيليس، ومديري التصوير عمار الحامض ومازن بركات، والعازف بشار جارور، والممثل سعد مينه، والمغني مصطفى هلال، والمخرج التلفزيوني الهمام بهلول.
لكن الحفلة لم تمر على خير لأنّ رمضان رفض تسليم الدرع التكريمية الذي وصل لدريد لحام من قبل «اتحاد النقابات الفنية المصرية»، وفضّل إرسالها إلى «المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون» لتسلّمها بدورها سرّاً إلى نجم الكوميديا!
في اتصال مع «الأخبار»، أكّد لحّام أنّه كان «يفترض تسليمي الدرع في الحفلة، لكنّني لا أعرف الخلل الذي حصل وألغى التكريم». وعن سبب التكريم يردّ صاحب «كاسك يا وطن» بالقول: «لم أتسلمه بعد، عندما أقرّر أخذه سأعلمكم ما هو سببه».
ربما يلخّص المشهد الأخير الدرك الذي هوت إليه «نقابة الفنانين السوريين»، وكيف انقلب دورها من محامي دفاع عن المنتسبين إليها إلى سيف مصلت على أعناقهم!