بيار أبي صعبسناء لم تعرف جوزف شخصيّاً. لذا تراها تركض خلف طيفه بطلاقة، فيما يجد بعض رفاق الدرب أنفسهم داخل «ثقب أسود» (هو مزيج من الحرج والحذر والخوف والحيرة والعادة)، كلما وقفوا أمام امتحان التذكّر، وحاولوا استعادة صورة الرفيق أو الصديق، الزميل أو الحبيب، الصحافي القدوة أو الأب المؤسس... هناك أيضاً في سلوك بعضنا تهرّب لاواعٍ من التعامل مع «الغياب» ربّما، أي المجاهرة بنقص مزمن والاعتراف النهائي بالفراغ. أما زميلتنا الشابة التي وصلت لاحقاً لتشاركنا التركة، فلا تشعر بوطأة الغياب نفسها: تريد فقط أن تلتقي الرجل الذي لا تعرفه. وقصّتها مع «الشريط الأخير» (بالإذن من بيكيت)، هي تجسيد حقيقي لفكرة استحضار الغائب. كيف سمعت من أستاذها، الصديق خالد سيد محند، عن حوار إذاعي أجراه مع جوزف سماحة في مكاتبنا، خلال ساعات العدوان الأخيرة، عشيّة ولادة «الأخبار» (14/ 8/ 2006). ثم كيف بحثت وحدها عن التسجيل الذي لم يبثّ في النهاية على «راديو فرانس»، حتّى وجدته. كيف فرّغته على الورق ووزّعته علينا، وراحت تطارد مسؤوليها لإقناعهم بضرورة نشره. وأخيراً، كيف «منتجته» حسب آخر ما تعلّمته من تقنيات المهنة، لتضعه على موقع الجريدة الإلكتروني حيث يمكن الاستماع إليه الآن...
من أحد الأدراج المنسيّة ـــــ من «الغيب» بمعنى ما ـــــ ينبعث صوت جوزف اليوم، ليذكّرنا بأننا «جريدة لها وجهة سياسيّة (...) مثل كل صحف العالم». وأن خيارنا الراديكالي هذا، هو تحديداً ما يفرض علينا الانفتاح على الآخرين، والسعي إلى التنوع، وتوخّي الموضوعيّة والأمانة. شكراً سناء الخوري لأنك أخرجتِنا من الثقب الأسود. نعم، لا معنى لـ«الأخبار» من دون تلك «الهويّة السياسيّة».