خليل صويلحفي معرضه «سلسلة الأزياء» الذي تستضيفه «غاليري أيام» (دمشق)، يزيح قيس سلمان اللثام عن معنى البشاعة. عارضات أزياء أشبه بالدمى، وكتل من اللحم المدلوق كيفما اتفق. وجوه مستلبة وأجساد مكشوفة، لا تسترعيها إلا العلامات التجاريّة. نتوقف عند جدارية ضخمة تحتشد على سطحها ستّ نساء في وليمة كاملة للقبح، وانتهاك بصري صريح للجسد في نسخته المعولمة. أينما اتجهنا، ستخطف أبصارنا ماركة أو تميمة هي مركز الثقل في اللوحة. أمّا ضربات الريشة الخشنة والعابثة، ففعلت فعلها في تشويه تضاريس الجسد المقطّع الأوصال.
تنطوي رسائل قيس سلمان على تحذير صارم لما آل إليه الجمال تحت وطأة الإفراط في تسليع الأنثى. هكذا تختفي الحميمية، وتتجاور على السطوح مفردات شهوانية، وأخرى واقعية تفصل بينها خطوط عريضة بألوان صاخبة على شكل لطخات قوية بالأحمر. يتسلّل الأحمر إلى ألوان الشفاه أولاً، والـ«لانجيري» ثانياً بوصفها ورقة التوت الأخيرة التي تكرّمت علينا وكالات الأزياء وأبقتها خارج وليمة العري. لا فرق إذاً بين الموديل في واجهات المتاجر وعارضة الأزياء... كلاهما يفتقد الانفعال والحركة الطليقة.

معرضه «سلسلة الأزياء» انتهاك بصري صريح للجسد في نسخته المعولمة

كل حركة مرسومة بدقة لإدخال المتلقّي كشريك في تسويق البضاعة... إذا بنا أمام حفلة تنكرية بأقنعة تغطي الوجوه الحقيقية، أو تلغي وجودها في الأصل. سننتبه في إحدى اللوحات إلى وحش يلتهم قدم العارضة، من دون أن تبدي أي حركة مقاومة، في وضع استلاب تام. بلغ وحشا الإعلام والإعلان، في تواطؤهما المتزايد، ذروة انتهاك الخصوصية. هذا ما تشير إليه بوضوح أعمال التشكيلي السوري الشاب، لا من موقع أخلاقي صرف، بل من باب البحث عن استعادة الكيان البشري لخصوصيته. نجده يقارع القبح بوسائل هزلية واستفزازية في معالجة لنزوات الجسد المتصدّع. نساء قيس سلمان محشورات في أماكن ضيّقة، يفتقدن كل ما هو روحاني، بنظرات عنيفة ووجوه نحاسية صمّاء. يصعب تفسير أنوثتهن المضطربة، في ظل تشوّهات عدائية، تشير إلى افتقاد الذات. لعلّ أهميّة سلمان تكمن في تحدّيها للدارج، وذهابها إلى منطقة تشكيلية متفرّدة في المختبر السوري. تجربة تشتبك مع أسئلة الثقافة البصرية المتأرجحة بين اندحار الجمال وتصدير القبح على شكل «لوغو» تجاري معولم.


حتى 25 شباط (فبراير) الحالي ـــــ «غاليري أيام» (دمشق) ـــــ للاستعلام: 00963116131088