وائل عبد الفتاح
منى الشاذلي من أوائل الذين حاوروا محمد البرادعي على قناة «دريم» يوم الأحد. نظراتها لم تهدأ. عينها لم تكن باتجاه «المرشح الشعبي» للرئاسة، بل للكاميرا. لـ«الشعب» أو لمن خلف الشعب. هي الآن على منصة وليست أمام شاشة. تواجه البرادعي، لا تحاوره. تبعث رسائل إلى مجهول تتصور أنّها وحدها تعرفه. حركة عينها تصيب المشاهد بالتوتر. وموقعها بدا قلقاً وهي تنتقل بين أكثر من شخصية: مفتشة الجمارك التي تتعامل مع القادم من الخارج بريبة، وناقلة الاتهامات التي تمثّل الحيادية وهي تعبّر عن رأيها.. وأخيراً الساذجة التي لا تريد أن تُغضب القوى العليا.
لم تعرف الشاذلي قيمة ضيفها. ولم تفهم لغته الغريبة عن المجال الذي برعت فيه كمحايدة وقورة. لم تر ضيفها. كانت ترى أشباحاً وظلالاً تحدثهم وتوجه خطابها إليهم. يظهرون لها وحدها. تشعر بسطوتهم وتتمتم بتعويذات لهم وتتصور أنّ خطابها «خطاب إعلامي محايد».
مذيعة تتوهم أنّها «لاعبة» مع أنّها لا تمتلك أدوات اللعب. الوهم يجعل الأشباح الذين تكلّمهم يوحون لها بأنّها تلعب دوراً ومساحة، بينما هم في الحقيقة يحوّلونها إلى «أداة» و«عنصر نائم» بين جيش إعلامي يعمل بدأب ضد التغيير. لأنّ التغيير يعني نهاية شهرتهم ووجودهم على الشاشات. وبهذه العقلية، فقدت الإعلامية المصرية ميزاتها واحدةً تلو الأخرى ودخلت فخ الحفاظ على الموقع (بعد الشهرة والثروة، لا بد من حسابات أخرى).
الشاذلي صورة للمرأة «العادية». تحاور كل أطراف المجتمع وهي على أريكتها المنزلية. صوتها وطريقتها في ارتداء الملابس وطريقة الجلوس أمام الضيف، كانت جديدة وصنعت لها احتياجاً وحضوراً في لحظة سيطرت فيها المرأة السوبر على الشاشة، ممثلةً في هالة سرحان.
لم تحافظ الشاذلي على صورتها ولا على مسافة بين دورها المهني كمذيعة تدير الحوار السياسي، وبين تحولها إلى طرف يتوهم أنّه وسيط بين النظام والشعب أو مندوب للشعب يتحدث باسمه ويعلمه الأدب.
المسافة تلاشت وأصيبت بلوثة «المناضلة السياسية» التي يشاهدها ٤٠ مليون نسمة ولا بد من أن تحافظ على توازن مع النظام لتستمر على الشاشة... «علشان خاطر مصر طبعاً».
الفخ قادها بسهولة إلى حظيرة النظام الواسعة. أصبحت أداة لأنها تركت المهنة وغادرت إلى الدور السياسي. ست البيت الهادئة والوقورة التي تتكلم بمشاعر وإحساس الخائفة على عائلتها، تحوّلت فجأة إلى «الأستاذة منى» التي تنصح وتوجه وتلعب على التوازن السياسي. الحياد ثقافة وليس الوقوف في منتصف المسافة. والحوار في التلفزيون ليس كله «توك شو» وافتعال مواجهة بين وجهتي نظر.
افتقدت منى قدرتها على اكتشاف ضيفها أو التعرف إلى حالته الجديدة في الواقع السياسي في مصر. لم تترك لنفسها متعة تقصي ملامح موديل مختلف من السياسيين. ولم تظهر مهارة إلا في إدارة الحسابات ولعب أدوار الحياد والاجتراء التي كان يجيدها مفيد فوزي. لكن مشوار الشاذلي أقصر، وموهبتها في التخفي محدودة. وقناعها ليس متقناً كفاية لتداري حساباتها المعقدة. هكذا يمكن أن تتحول هذه الإعلامية من صورة «ست البيت» على الشاشة إلى «لاعبة دور» في أزمة النظام مع ظهور البرادعي.
ومن يختر الدور، فعليه أن يدخل حظيرة النظام الواسعة. وهي فعلت ذلك مرتاحةَ البال، معتبرةً نفسها محررة العبيد على الشاشة. وعلى العبيد دفع ضريبة متابعتها على شاشات الحظيرة.