سعد زغلول الجديد» أم «الغريب»؟ «أمل اليائسين» أم «مرشّح الحالمين»؟ ما إن وطئ صاحب «نوبل» أرض القاهرة، حتى راح الإعلام المصري يصنع عالماً من المصطلحات، والتسميات والتسميات المضادة
محمد خير
إلى أن يبدأ محمد البرادعي خوض السياسة «على الأرض»، يمكن القول إنّه بدا حتى الآن محتجزاً بين شاشتَين: الأولى هي CNN التي لمّح عبرها قبل أشهر نيته لعب دور في الإصلاح السياسي المصري فور نهاية ولايته النووية. أما الشاشة الأخرى، شاشة الجدّ، فهي «التلفزيون المصري» بمختلف ألوانه وأصحابه ومشاهديه، حيث انتقل العائد من زاوية الضوء إلى بؤرته.
هنا، تختلف وضعية الكاميرا، وتتركّز الإضاءة، ويصبح الحديث بالعربية من دون مترجم فوري، وتتطاير الحروف لتصبح كل كلمة مصطلحاً ولقباً: إنها «لحظة الحقيقة» بالنسبة إلى «رجل الساعة». إنّه «النابغة» الذي قد يكون «المخلّص». إنه «البديل» في مواجهة «الوريث»، فهل هو «سعد زغلول الجديد» أم أنه «الغريب» الذي هبط بالباراشوت بينما «لا يعرف شيئاً عن وطنه»؟ إنّه المرشح «الافتراضي» بل «النخبوي»، أم «مرشح المحبطين»؟ أو ربما «الحالمين» أو العكس «أمل اليائسين»؟
هل يمكن تأمّل العينة السابقة من دون استكشاف الدرس مجدداً؟ ليس درساً سياسياً بل إعلامي بحت، وهو أنه مهما قصرت مدة تفجّر قضية ما، يمكن الإعلام فوراً أن يصنع عالماً كاملاً من المصطلحات، والتسميات والتسميات المضادة. قد يكون البرادعي رمز التغيير وقد لا يكون. لكنه الآن رمز واضح لمرونة اللغة الإعلامية التي سطّحتها الشاشات وما زالت. إنها مرونة لكنها ليست مرونة إيجابية. إذ يمكن، أكثر من أي وقت مضى، أن نتعرّف إلى البرادعي بوصفه مخلّصاً أو شيطاناً بالدرجة ذاتها. عندما وصل العائد إلى مطار القاهرة، كان في استقباله «البعض» وفقاً للإعلام الحكومي، والذين استقبلوه كانوا ألفاً أو ألفين أو ثلاثة آلاف حسب «مصدر المصدر» الإعلامي. لكن تلك الآلاف نفسها تتفكك في اللفظ إلى مئات عدة لدى المصدر غير المتعاطف، فلا ننسى أن الثلاثة آلاف هي في النهاية 30 في المئة! لكن الآلاف نفسها تتحول إلى آلاف مؤلفة لدى المصدر المتضامن. نحن أمام الرقم نفسه الذي رأت فيه «العربية نت» مثلاً، دليلاً على فتور الاهتمام الشعبي، ورأته الميديا الغربية مثيراً للاهتمام. واعتبرته المعارضة غير الرسمية حدثاً جللاً «لأن أولئك تحدوا التخويف الأمني».

صار رمزاً لمرونة اللغة الإعلامية التي سطّحتها الشاشات
كل ذلك ليس سوى مزحة قياساً بما سيشهده أي خبر من إساءة معاملة في الفترة المقبلة، وما «السماح» باستقبال البرادعي على الشاشات المصرية الخاصة سوى إشارة إلى تغيير في طبيعة «الحرب» المقبلة ضده. إنها حرب لا يجوز فيها استعمال القوة أو القوانين المقيّدة ضد «صاحب نوبل»، و«الشخصية الدولية الرفيعة». لا يمكن الشرطة أن تقتحم مؤتمره. لا يمكنها احتجازه في سيارة دورية أو الاعتداء على زواره. لم يكن غريباً إذاً أن يردّ البرادعي على السؤال التلفزيوني بخصوص قانون الطوارئ «سأقابل من أريد ولن يمنعني أحد». أهي «الثقة الشخصية» أم «الاستناد إلى دعم غربي» أم محض نسيان حقيقة ما هو قائم؟ يمكن اللعب بالاحتمالات إلى آخرها طالما وُجدت الشاشات والميكروفونات، وطالما اتصل الأثير بالإنترنت، بالهواتف الخلوية. ساحات الـ«فايسبوك» هي التي تلقّفت البرادعي من «سي إن إن»، وهي التي قدمته مرشحاً قبل الميديا الورقية. ثم أعاد الإنترنت توزيع المهمات فجمع الشبان والمستقبِلين، ووفّر للشاشات مبررات للحديث عن شعبية العائد... مبررات تتعدد بعدد مجموعات «فايسبوك»، والمنتديات المؤيدة لترشيحه. أيبقى هذا الترشيح «افتراضياً، نخبوياً... إلخ»؟ قد يكون كذلك وقد لا يكون. لكن اختبار الجدوى هنا ليس جديداً على البرادعي وحده، بل على الإنترنت أيضاً.