باكورته بلغة غوته أوتوبيوغرافيّة ساخرة

يتسلّم الكاتب العراقي جائزة «آدلبرت فون شاميسو»، في احتفال يقام في ميونيخ، الأسبوع المقبل. روايته «الهندي المزيّف» أشبه بسيرة ذاتيّة عن الإنسان الهارب من جحيم الحروب، ومن قهقهات الجلادين في زنازين التعذيب

حسين السكاف
الصبي الذي كان يجوب شارع المتنبي في بغداد مخبِّئاً تحت قميصه كتباً ممنوعة بقرار ديكتاتور يخاف الثقافة، هو الشاب نفسه الذي دخل السجون ولمّا يزل على مقاعد الدراسة الجامعية... سجون امتصت برودة زنازينها أحلامه الطرية.
هذا الشاب الأسمر النحيل وصل إلى ملاذه الآمن ألمانيا، عام 2000، بعد خمس سنوات على خروجه من السجن، وبعدما طاف في سجون الدول الشقيقة والصديقة، من تونس وليبيا إلى تركيا واليونان. وها هو يحصل أخيراً على إحدى الجوائز المرموقة في ألمانيا، عن رواية كتبها بلغة غوته بعد ثماني سنوات من إقامته في ألمانيا. إنه الشاعر والروائي العراقي عباس خضر (1973) الذي حصل أخيراً على جائزة «آدلبرت فون شاميسو» الأدبية لعام 2010، عن روايته «الهندي المزيّف» (دار ناوتيلوس ـــــ هامبورغ 2008). وكانت الرواية قد حصلت قبل ذلك على جائزة «الفرد دبلن للآداب» لعام 2009 التي تمنحها «أكاديمية الفنون الجميلة» في برلين، وحصلت أيضاً على جائزة تقديرية من اتحاد الكتّاب الألمان.
«الهندي المزيّف» التي ظلت تحتل صدارة المبيعات لشهور من عامي 2008 و2009، هي في الحقيقة الإصدار الأول لعباس خضر باللغة الألمانية، وهي أيضاً روايته الأولى. ويبدو أن خضر قد أعدّ نفسه بطريقة مدروسة لينطلق ككاتب ألماني من أصول أجنبية، بعدما عرف خبايا اللغة الألمانية وأتقنها، بسبب إصراره على إكمال دراسته والالتحاق بـ«جامعة ميونيخ» لدراسة الأدب الألماني والفلسفة. وهناك أيضاً موضوع الرواية وبنيتها الأساسية، إذ إنّها تتحدث عن الإنسان الهارب فزعاً من جحيم الحروب والمعتقلات. الإنسان الذي منح مصيره للبحار والقفار أو الموت برصاص شرطة الحدود، لعلّه يحظى ببرهةٍ آمنةٍ تمنحه دفء روحه الحالمة بعالم خالٍ من رائحة البارود، وقهقهات الجلادين في زنازين التعذيب.
لم يكن عباس خضر بعيداً عن تلك الصور المؤلمة، بل اختبرها عن كثب، إذ ذاق مرارة الهروب وسخريته. يقول: «الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية. تتحدث عن مرحلة اعتقالي التي دامت سنتين في بغداد، ثم عن رحلة هروبي الأوديسية التي استمرت أربع سنوات عبر الأردن، ومصر، وليبيا، وتونس، ولبنان، وتركيا، واليونان، وإيطاليا حتى وصولي إلى ألمانيا...».
ورغم مرارة الرواية، أجمع النقاد الألمان على أهمية الطريقة الساخرة التي تهيمن على الأسلوب. لماذا عمد خضر إلى كتابة رواية فجائعيّة بأسلوب ساخر؟ «قد يتصور بعضهم أن فكرة الرواية تتطلب غضباً وصراخاً «شرقياً»، لكونها تحكي مأساة، علماً بأن السخرية تتسع للمأساة أكثر (...) لقد اعتمدت الأسلوب الساخر لكونه الأبعد عن الملل، والأقرب إلى روح القارئ الألماني، والأكثر تأثيراً عليه. وهذا ربّما من الأسباب التي جعلت النقد الألماني يحتفي بالعمل».
إنها إذاً رواية تتحدث عن حياة المهاجرين العراقيين ومآسيهم، وقصص مافيات التهريب... إضافة إلى تناولها قضايا سجون الديكتاتور، وبعض خفايا بيوت الليل والعمالة والتشرد. ولم يغفل خضر في روايته موضوع الهوية وارتباطها التاريخي، إذ وضعها في مواجهة الضياع وتشتت الروح العراقية بين الماضي والحاضر.
والحقيقة أن تلك العوالم أو قصص المأساة العراقية لم تكن جديدة على عباس خضر. لقد سبق له أن أصدر باللغة العربية ديوانَي شعر هما «تدوين لزمن ضائع» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـــــ 2002)، و«ما من وطن للملائكة» (الحضارة للنشر ـــــ القاهرة 2004)، إضافة إلى كتاب «الخاكية ـــــ من أوراق الجريمة الثقافية في العراق» (منشورات الجمل ـــــ 2005) الذي أرَّخ فيه الشعر العراقي في زمن الديكتاتور. إلا أنه يجد أن عوالم روايته تختلف عن سابقاتها: «صحيح أن فكرة روايتي «الهندي

المنفى والحروب والمثقف العربي الذي باع ضميره لسلطة قمعية
المزيّف» تقترب من موضوعات كتبي السابقة، حيث المنفى والحروب والديكتاتورية وإشكالية المثقف العربي الذي باع ضميره لسلطة قمعية وغيرها من المواضيع... إلا أنها تبقى عملاً مستقلاً، جديداً بفكرته عن سابقاته من الكتب التي أصدرتها. العمل الروائي عالم له قوانينه التي تختلف بشكل أو بآخر عن عوالم الشعر والنقد».
وجائزة Adelbert Von Chamisso تحتفل هذا العام بعيدها الـ25، حيث انطلقت للمرة الأولى عام 1985. وقد سبق عباس خضر في الحصول على الجائزة بعض الكتّاب العرب، بدءاً بالشاعر السوري عادل قرشولي عام 1992، ثم مواطنه الكاتب سهيل فاضل ـــــ الذي يُعرف برفيق شامي ـــــ عام 1993، ومن ثم الكاتب المغربي عبد اللطيف بلفلاح، والروائي العراقي حسين الموزاني عام 2003. والمعروف أن الجائزة تمنح لثلاثة كتّاب سنوياً. وقد اشترك هذا العام مع الشاعر والروائي العراقي عباس خضر، كلّ من الكاتبة الهنغارية تريزا مور والكاتبة المسرحية الجورجية نينو هاراتشفيلي. وستوزع الجوائز خلال حفلة تقام في قصر «بافاريا» التاريخي في مدينة ميونيخ، في الرابع من شهر آذار (مارس) المقبل.