اتخذت معركة حرية الصحافة منحى جديداً، مع إصدار المحكمة العسكرية حكماً بالسجن على مراسل قناة «الأقصى» طارق أبو زيد. في هذا الوقت، تغطّ «نقابة الصحافيين الفلسطينيين» في سبات عميق
القدس ــ مصطفى مصطفى
مسلسل انتهاك حقوق الصحافيين الفلسطينيين لن يتوقّف قريباً. ها هي سابقة جديدة تضاف إلى سجلّ محاصرة الحريات الإعلامية. إذ أصدرت محكمة عسكرية فلسطينية في نابلس، حكماً بالسجن على الصحافي طارق أبو زيد، لمدة سنة ونصف، بتهمة «التحريض ونقل معلومات وتهريب أموال لجهات معادية للسلطة الوطنية الفلسطينية». ويكاد يكون هذا الحكم الصادر ضدّ مراسل فضائية «الأقصى» التابعة لحركة «حماس» الأوّل من نوعه منذ «اتفاقية أوسلو» وقيام السلطة عام 1993.
تأتي هذه المحاكمة ضمن سلسلة انتهاكات واسعة طالت الصحافيين الفلسطينيين بعد ما بات يعرف بـ«أحداث غزة» (2007) واحتدام الصراع بين حركتَي «فتح» و«حماس». ويبدو واضحاً أن الاعتداء على حرية الصحافة يرتبط مباشرة بالمنافسة السياسية بين «سلطة رام الله» وحركة «حماس». وقد خرجت أصوات حقوقية عدّة لتستنكر هذه الانتهاكات، معتبرةً إياها «جريمة سياسية وطعنة في خاصرة حرية الصحافة»، ومطالبةً «الجهات المختصة بالتراجع عن حكم السجن». وقد صرّح عدد من الحقوقيين أن المحاكمة العسكرية للصحافي طارق أبو زيد باطلة وفق القانون الأساسي الفلسطيني، لأن «هيئة القضاء العسكري الفلسطيني لا تعتبر صاحبة ولاية على المدنيين».
لكن بعد حظر «السلطة الوطنية الفلسطينية» عمل فضائية «الأقصى» في الضفة الغربية وإغلاق مكاتبها في أيلول (سبتمبر) عام 2007، باتت الغاية تبرر الوسيلة، وأصحبت كل سبل تكميم أفواه «الانقلابيين» مشروعة. وجاء في بيان «كتلة الصحافي» التابعة لـ«حماس» في غزة «أن الصحافي الفلسطيني لم يواجه واقع الاعتقالات والسجن والمحاكمات إلا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وها هو اليوم يلاقي المصير نفسه ولكن بأيد فلسطينية ولأسباب مهنية بحتة».

أعاد الجهاز القضائي إحياء قانون «العقوبات الثوري» بهدف قمع حرية الرأي والتعبير
غير أنّ هذه المفارقة تنطبق طبعاً على الجهتَين أي «حماس» و«فتح» اللتين اعتقلتا الصحافيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تكون لائحة الاتهام الموجهة للصحافي طارق أبو زيد مثالاً على لوائح الاتهام المُعدة سلفاً من الطرفين لإدانة الصحافيين ومحاكمتهم.
من جهتها، لم تصدر «نقابة الصحافيين الفلسطينيين» أيّ بيان يُدين المحاكمة العسكرية. بعد الحملة غير الجادة التي قام بها أعضاء في النقابة لمحاكمة النقيب نعيم الطوباسي، وكانت أشبه بالتمثيلية تمهيداً للانتخابات الداخلية التي لم تجرِ، تبدو النقابة غائبة تماماً عن المشهد الصحافي الفلسطيني.
ويذكر أن قيام الجهاز القضائي الفلسطيني بإعادة إحياء قانون «العقوبات الثوري» الذي وضعته «منظمة التحرير الفلسطينية» عام 1979 وتعمل وفقه «هيئة القضاء العسكري»، يشير إلى محاولة استغلال «منظمة التحرير» من جانب «سلطة رام الله» ليس لتمرير برامج سياسية هذه المرة، بل لقمع حرية الرأي والتعبير.
ويبقى القول إنّ انتهاك حقوق الصحافيين الفلسطينيين من جانب قوات الاحتلال أو من جانب «الإخوة» صار واقعاً يومياً، وحرية الرأي للفرد الفلسطيني تضيق يوماً تلو آخر. وعليه، هل سيكون شعار «الحرية لطارق» شعاراً فارغاً في مرحلة المحاكم العسكرية المقبلة للصحافيين؟