محمد عبد الرحمنعلى رغم التشنّج الطائفي الذي شهده الشارع المصري بعد أحداث نجع حمادي، التي أدّت إلى مقتل ستّة أقباط وشرطي مسلم، لم يتوقّع أكثر المتشائمين وصول الفتنة الطائفية إلى السينما المصرية! إذ نشر موقع إخباري معروف بتوجّهاته الإسلامية خبراً أشار فيه إلى أنّ كل الأفلام التي سمحت الرقابة بعرضها تحت خانة «للكبار فقط»، خلال الشهرين الماضيين، هي لمخرجين أقباط!
جاءت هذه الملاحظة لتؤكّد أنّه بات ممكناً استغلال أي حدث ـــــ حتى لو كان فنياً أو ثقافياً ـــــ لإشعال وقود الفتنة وإيقاظ أشباحها التي نسيت النوم منذ زمن طويل. أما الترجمة الفعلية لهذه الملاحظة فهي: هناك مخطّط ومؤامرة يحوكها الفنانون الأقباط لإفساد أخلاق الشعب المصري المسلم!
احتلّ خالد يوسف الصدارة في تقديم المشاهد الجريئة
هكذا تحولت قضية فنية بحت إلى مقدمة لمعركة طائفية جديدة، لا يمكن التكهّن بنتائجها، وقد يليها، ربّما، إطلاق مجموعة على «فايسبوك» تطالب بمنع الأقباط من تقديم أفلام، أو بمقاطعة أي عمل من إنتاج سينمائيّين مسيحيّين وإخراجهم. ولن يتوقف الغاضبون، كالعادة، أمام حقائق واضحة كالشمس، وهي أن تقديم أفلام تحتوي على مشاهد جريئة لا يرتبط بديانة المخرج، بل برؤية هذا الأخير الفنيّة ونظرته. وبالتالي، يمكن مناقشة صاحب العمل في ضرورة وجود هذه المشاهد من الناحية الفنية، من دون الربط بين ديانته وكمية المشاهد الساخنة التي يقدّمها. ويمكننا الاستشهاد هنا بما حصل حين انحاز النقاد والجمهور في مصر أخيراً إلى فيلم «رسائل البحر»، وفعلوا العكس تماماً مع فيلم «أحاسيس»، من دون الالتفات إلى أنّ المخرجَين داوود عبد السيد وهاني جرجس فوزي هما من الأقباط.
والواقع أن طائفة المخرج أو الممثل لم تمثّل يوماً إشكالية في عالم «هوليوود الشرق». حتى إنّ بعضهم خرج بعد وفاة يوسف شاهين ليؤكد أنّه لم يكن يعرف أن «جو» مسيحي. لكن يبدو أن تلك الحقبة ولّت إلى غير رجعة، بعدما أعمى التعصّب الديني والتطرّف كل منطق ووعي. هكذا، أعلن بعضهم أن شاهين أشهر إسلامه قبل وفاته، تماماً كما حصل بعد وفاة «ملك البوب» مايكل جاكسون!
وإذا سلّمنا بالمؤامرة السخيفة التي حكى عنها الموقع الإلكتروني الإسلامي، فهل ننسى أنّ خالد يوسف كان أحد أكثر المخرجين الذين قدّموا مشاهد جريئة وأفلاماً «للكبار فقط» في السنوات الخمس الأخيرة؟ لن نتوغّل هنا في لعبة الجنس وتوظيفه في الأفلام والمسلسلات، لأنّ ذلك عائد إلى رؤية صانع العمل ـــــ كما أسلفنا ـــــ فيما يأتي النقد ليقارب العمل من وجهة فنيّة.
الأكيد أنّه وسط هذه الزوبعة الجديدة، يبقى الربط بين الأفلام الساخنة وديانة صنّاعها قنبلة موقوتة يستخدمها مشعلو الفتنة عند الحاجة، معتمدين على أن نزع الفتيل يحدث دائماً بعد اشتعال النار.