حسين بن حمزةثمة سريالية طاغية في مجموعة «هناك عراكٌ في الخارج» (الغاوون) لسمر دياب. السريالية هنا هي تقنية وحساسية ونبرة أسلوبية بالنسبة إلى هذه الشاعرة اللبنانية التي تَلفت انتباهنا بباكورة متخلِّصة إلى حد ما من شوائب البواكير الشعرية. هناك سعيٌ واضح إلى امتلاك خصوصية ما عبر إقلاق طمأنينة اللغة وهتك المعاني القاموسية الناتجة عن ارتطام المفردات بعضها ببعض. الارتطام هو الكلمة المناسبة لوصف ما يحدث في هذه الكتابة الخطرة التي لا تتجاور الكلمات فيها بيُسرٍ وسلام. المناخ السريالي غالباً ما يتبدَّى في لغة هجومية صخَّابة واقتحامية. الخيال الشعري نفسه يبدو مُنتهَكاً ومنعوفاً بفعل المجازفات المتواصلة لخلق سياقات غير شائعة للغة. نقرأ ونحس أن ثمة شرراً يتطاير من الصور والاستعارات: «لستُ رمحاً في رأس أحدهم/ أنا لستُ أيضاً رَمَقاً واقفاً ينتظر آخره/ لكني مع ذلك جميلة جداً/ وأنا أتدلَّى من فَرْجِ الأرض/ رأسي في الخارج يتأمل العالم/ وقدماي في الداخل تركلان إخوتي». رغم الركاكة البادية في السطر الثاني، لا يشوِّش العنف السريالي والكابوسي ذهن القارئ. هناك صور ومقاطع عديدة تُشعرنا بالالتباس الممتع المتحصِّل من تحليق اللغة في الفضاء السريالي. في المقابل، هناك صور لا يحزر القارئ المعنى

سخرية من اللغة الآمنة والعاطفة المائعة
الذي تستهدفه. «المشهد الأخير قيد الخوف/ قمر يلتهم ثعباناً ضخماً/ يتكوّر في بطنه ليلتين ويخرج حياً، نبياً مرقّطاً لترابٍ ضال/ المشهد الأكثر رعباً، كائن يكتب/ يعلو كريشةٍ على رأس هندي أحمر/ تحسبه الجحور إصبعاً زائدة في عتمتها/ جيفةٌ بلا رائحة تدلُّه إلى الشِّعر/ أتعلم أن الشِّعر له عانة/ زرقاء/ شعثاء/ ككبدِ شرفةٍ تفجَّر للتوّ». المتعة هنا أقل بالطبع. كأن وضوح المعنى يتحكَّم في مذاق السريالية وتلذُّذ القارئ بها. ثمة سريالية مُنتجة وأخرى تتحوّل إلى «عراكٍ» لغوي غالباً ما ينتهي بخسارة الشعر نفسه.
ينبغي القول إن النوع الأول أكثر حضوراً في قصائد المجموعة، وهو ما يجعل المقاطع غير الناضجة تحظى بتسامح بعض القراء، وخصوصاً في مجموعة أولى تُبدي فيها صاحبتها قدراً واضحاً من الشجاعة الشعرية. إنها تحبِّذ خيارها الشخصي على سواه. لنقرأ كيف تسخر من اللغة الآمنة والعاطفة المائعة: «وأستطيع متى شئتَ أن أفاجئكَ بصورةٍ شعرية من طراز/ القلب زبيبٌ مهموم/ أو وجه أمي دواةُ رملٍ/ أو وطني قمرٌ وحبيبي قمران».