هناء جلادخلال الشهر الماضي، داهمت قوة من مكتب «مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية» التابعة للشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي، مكاتب عدد من إذاعات الـ«أف أم» غير المرخّصة في منطقتَي الشمال والبقاع. وقد أثارت هذه الخطوة استياء أصحاب هذه الإذاعات، إلا أنها أراحت باقي المحطات الإذاعية المرخّصة التي تخلّصت من التشويش المستمرّ على أثيرها، وبات ممكناً أن تأخذ حصتها الكاملة من سوق الإعلانات. وخصوصاً أن القانون الرسمي للبثّ الإذاعي في لبنان مبهم. إذ يلحظ شروط الإرسال باختصار، ويترك مجال الرقابة على الإعلام المسموع لـ ... أخلاق القيّمين على إدارة هذه المؤسسات.
واللافت أن عملية المداهمة هذه جاءت بالتزامن مع زيادة الاستثمار العربي في سوق الإعلام المسموع مقابل تراجع هذا الاستثمار في الفضائيات. «تسويق المحطة الإذاعية سهل مقارنة بالفضائيات» يقول المدير العام لمحطات «ميلودي» الإذاعية فيني الرومي.
غير أنّ زيادة الاستثمار في الإذاعات لا تعني أنها لا تعاني أزمات مالية. يؤكد الرومي أن سوق الإعلانات تراجع، وبالتالي بات على المحطات إيجاد وسائل تمويل أخرى، منها فرض ما يُعرف بـ«الدعم» أي تقاضي مبالغ محددة مقابل بثّ أغنية جديدة لعدد مرات متفق عليه، «بث الأغنية هو بمثابة الإعلان عن منتج جديد، يمكننا اختيار الأفضل لبثّه على الهواء من دون المسّ بسياسة الإذاعة التي تضع على رأس أولوياتها الأغنية الجيدة، ومن دون التقصير تجاه الأغنية الجيّدة التي غالباً ما نبثّها من دون مقابل».
أما عن انحدار مستوى الإعلام الإذاعي المحلي، فيعتبر الرومي أنّ «بعضهم لا يعرف ماذا يفعل ولا يحترم أذن المتلقي فيقدِّم ما لا يليق بالمهنة من أصوات إذاعية غير مؤهلة على المستويَين الحرفي والثقافي». ولا ينسى الإذاعي اللبناني التطرّق إلى دخول الإنترنت كوسيلة إعلامية جديدة، على خط المنافسة «لكن في العالم العربي، لا نزال نلاحظ سقوط مصداقية صفحات الإنترنت لدى شريحة كبيرة من المواطنين...».
وفي الإطار نفسه، يرى مدير إذاعة «صوت البلد» («صوت الموسيقى» سابقاً) جان عبد المسيح أنّ ما كان ينقص شركة «البلد» هو إذاعة، إذ إنها تملك صحيفة، وموقعاً إلكترونياً، وتلفزيون «الوسيط». ومع اكتمال هذه الشبكة الإعلامية، فإنّ المؤسسة تتمكّن من احتكار الإعلانات التي تردها، وبثّها فقط على مؤسساتها الإعلامية.

استحداث مواقع إلكترونية للبثّ في مختلف أنحاء العالم

أما المدير التنفيذي لإذاعة «صوت المدى» رجا صوايا، فلمَّح إلى بروز رابط حتمي بين وسائل الإعلام، فرض نفسه على المستثمرين. معتبراً أنّ الإذاعة جزء أساسي في أي شبكة إعلامية. ويرى صوايا أن هذه النظرية تنطبق على لبنان.
هنا، يقول صوايا إنّ لتوافد السيّاح أهمية بالنسبة إلى الإذاعة، إذ يرتفع عدد المستمعين. كما أنّ تطوّر البثّ الإذاعي انسحب على الشبكة العنكبوتية حيث استُحدثت مواقع إلكترونية للمحطات تمكّنها من البثّ في مختلف أنحاء العالم.
ويتابع صوايا: «الأمر مكلف للغاية إذا أردنا الالتزام بتطبيق قواعد القانون اللبناني لناحية شروط الإرسال». ويضيف: «كل وسائل الإعلام وتحديداً المحطات الإذاعية مرتبطة مباشرة إما بحاجة كبار رجال الأعمال في لبنان والعالم العربي إلى وسيلة إعلامية ــــ إعلانية للترويج لبضائعهم، وإما بتوجّه سياسي معيّن قادر على تقديم الدعم المادي مهما كبر حجمه.