بيار أبي صعبقافلة السينما لن تمرّ في دمشق كما كان مقرّراً لها، بعد عمّان (حيث تختتم التظاهرة اليوم)، وقبل بيروت. على برنامج هذا المهرجان المتنقّل (راجع مقالة خليل صويلح إلى يمين الصفحة)، أفلام حققتها نساء من الثقافتين الإسبانيّة والعربيّة، عبرت بمحطات في أميركا اللاتينيّة (كولومبيا والمكسيك وكوستاريكا)، قبل أن تصل إلى الشرق الأوسط. ويؤسفنا أنّ المؤسسة الرسميّة في بلد أبي خليل القبّاني، تحفّظت على خمسة أفلام واردة في البرنامج، ما حدا بالمشرفات على التظاهرة إلى إلغاء المحطّة الدمشقيّة من أساسها. هكذا ستبقى «صالة الكندي» مقفرة غداً، الموعد الذي كان مقرّراً لافتتاح المهرجان بالفيلم الروائي الأرجنتيني «الكاميرا المظلمة»، للمخرجة ماريا فيكتوريا مينيس (٨٦ دقيقة، ٢٠٠٧). هذا الفيلم الوارد على القائمة الملعونة، يتناول قصّة امرأة «قبيحة» تراهن على الجمال رغم كل شيء.
نظرة سريعة إلى الأفلام الممنوعة الأخرى، تنتزع من القارئ ابتسامة ساخرة. «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها»، فيلم هالة العبد الله (الصورة - مع عمّار البيك، سوريا، وثائقي/ إبداعي، ٩١ دقيقة، ٢٠٠٦)، أحد أجمل الأعمال التجريبيّة التي شهدتها الشاشة العربية خلال هذا العقد، ملؤه الحزن والألم وإعادة

قاعة «الكندي» المقفرة مجازاً لحياتنا الثقافيّة والفكريّة البائسة
النظر في الماضي الذي لم ينته تماماً. أما فيلم إليان الراهب «هيدا لبنان» (لبنان، وثائقي/ إبداعي أيضاً، ٥٨ د، ٢٠٠٨)، فيتميّز بجرأته وعفويّته، إذ تقوم المخرجة بتسليط نظرة قاسية إلى طائفتها، فاتحة الباب أمام مشروع نقدي طويل المدى مطلوب اليوم في لبنان.
ولا يوحي ملخّص سيناريو الشريطين الباقيين بأننا في حضرة خطر داهم يهدّد أمن الدولة: «خذني إلى أرضي» لميس دروزة (الأردن/ بريطانيا، تسجيلي، ٥٥ د، ٢٠٠٨)، كناية عن رحلة لاكتشاف حياة فلسطينيّة في الشتات، و«عبور المضيق» لإيفا باتريثيا فرنانديز (مع ماريو دي لاتوري، المغرب/ إسبانيا، تسجيلي، ٥٠ د، ٢٠٠٧)، يحكي الهجرة السريّة عبر مضيق جبل طارق، إلى أرض السعادة الموعودة، التي تستحيل جحيماً قاتلاً.
ستتّجه أنظارنا غداً إلى قاعة الكندي المقفرة في دمشق، وسنرى فيها مجازاً لحياتنا الثقافيّة والفكريّة البائسة، المهدّدة بشتّى احتمالات الانحطاط والتصحّر، في عالم عربي مسكون بالخوف والمنع، يتحكّم فيه سجّانون ورقباء من كل الأنواع.