بولانسكي... السينمائيّ الشبح وغينسبرغ يستأنف الـ«عواء»برلين ــ زياد عبد الله
مع انطلاق الدورة الستين لـ «مهرجان برلين السينمائي» الخميس الماضي، حضر بقوة الحديث عن نشأة المهرجان عام 1951 بمبادرة من الحلفاء. مدير المهرجان ديتير كوسليك قال خلال الافتتاح «المدينة كانت رمزاً لأنظمة منقسمة، لكنها أيضاً رمز لبداية جديدة». واستعاد كوسليك فيلم ألفريد هيتشكوك «ريبيكا»، الذي افتتح الدورة الأولى، من دون أن ينسى تاريخاً طويلاً من الخلافات والجدل حضر مع مشاركة أفلام من دول أوروبا الشرقية في المهرجان، ابتداءً من عام 1971، وانفتاح المهرجان على اليسار، بعدما أُطلقت آلة دعائية في وجه المعسكر الشرقي، ونموذج لـ«ثقافة الحرية» حينما كانت هوليوود وكيلها الحصري.
فيلم الافتتاح «منفصلان معاً» (ضمن المسابقة) لوانغ كوانان استدعى برلين الشرقية والغربية من خلال قصة تايوان وانفصالها عن الصين. كما كان انفصال أفراد العائلة الواحدة بسبب جدار برلين، فإن فيلم وانغ يحكي قصة رجل يترك زوجته وابنه ويهرب إلى تايوان، لكونه من عناصر الحرس الوطني... ولا يُسمح له بزيارة شنغهاي إلا بعد مرور ثلاثين سنةوضمن المسابقة الرسمية التي تضمّ 26 فيلماً من ألمانيا وبريطانيا وأميركا وروسيا وفرنسا والنرويج واليابان وإيران وتركيا تتنافس على جائزة «الدب الذهبي»، عُرض «عواء» الذي يحمل عنوان قصيدة ألان غينسبرغ (1926 ـــــ 1997) الشهيرة، وقد كتبه وأخرجه الأميركيان روب ايبشتاين وجيفري فريدمان. هنا، تتردد القصيدة كاملةً (يؤدي جيمس فرانكو شخصية غينسبرغ) في شريط يمزج بين الوثائقي والروائي والـتحريك. ويلجأ الإخراج إلى الـ animation لتقديم تهويمات بصرية تجسّد القصيدة التي يلقيها غينسبرغ على مسامع أصدقائه، بينما يأتي الوثائقي في شكل روائي خلال استعادة المحكمة الشهيرة التي أقيمت حول ديوان «عواء».
ويمكن القول إن «الحرب على الإرهاب» تهيمن على المهرجان. يعرض فيلم «الكاتب الشبح»، جديد رومان بولانسكي (ضمن المسابقة)، في غياب صاحبه الذي يخضع للإقامة الجبريّة حالياً في سويسرا، كما هو معروف. في The Ghost Writer نحن أمام دراما سياسية مشوّقة، مصنوعة بحنكة لا تفارق صاحب «عازف البيانو». ويظهر طيف توني بلير بوصفه «مجرم حرب» عبر شخصية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق آدام لانغ (بيرس بروسنان)، وتورّط كاتب (ايوان ماكرغر) في تدوين مذكّرات هذا السياسي في لحظة مصيرية، إذ يكون متهماً بتسليم الـ «سي آي إي» مواطنين إنكليزاً ينتمون إلى «القاعدة»، وتعذيبهم حتّى الموت. فيلم بولانسكي شديد التشويق والخطورة، يمضي إلى اتهام بلير بأنّه عميل للاستخبارات الأميركية... ماذا كان لو كان خطاب الفيلم وراء إحياء متاعب هذا السينمائي البولوني الأصل مع القضاء الأميركي، بعد انقضاء زمن طويل عليها؟
الحرب على الإرهاب تحضر أيضاً، إنما كوصفة جاهزة في فيلم كاران جوهار «اسمي خان» (ضمن البرنامج الرسمي، لكن خارج المسابقة) من دون أن يتفادى ما اعتدناه في السينما البوليوودية من نمطية ميلودرامية غنائية... يخلط الشريط بين إشكالية معاصرة تتمثل في الحرب على الإرهاب، والصورة النمطية عن المسلم، وقصص أخرى عن الصراع الطائفي بين الهندوس والمسلمين.
اليوم الثالث من «برلين» شهد جديد مارتن سكورسيزي Shutter Island (خارج المسابقة) الذي يخوض فيه السينمائي غمار التشويق والإثارة، بمشاركة نجمه المفضل ليوناردو دي كابريو إلى جانب مارك رافيلو وبن كينغسلي. تمتزج وقائع الفيلم مع مخيلة الشخصية التي يقدّمها دي كابريو، الذي يكون قد قتل زوجته، بعد إقدام الأخيرة على قتل أولاده الثلاثة.

«الفيلم الجيد لا يخبّئ نفسه»، حسب رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية فيرنير هيرتزوغ
يختلط كل شيء في الفيلم، حيث التخيّلات تسير جنباً إلى جنب مع استعادة الشخصية الرئيسة ماضيها خلال الحرب العالمية الثانية والهولوكست. شريط سكورسيزي عرض بعده فيلم روماني هو الأكثر تميّزاً حتى الآن في المهرجان. إنّه «إذا أردتُ التصفير، فسأصفِّر» لفلورين سيربان، الذي يحكي يوميات شاب قبل موعد خروجه من السجن بعشرين يوماً.
في الفيلم التركي «عسل» (المسابقة)، يستكمل سميح كابلانوغلو ثلاثيته التي بدأها بفيلمه «حليب»، وأتبعها بـ «بيض». بينما يعود السينمائي الياباني المخضرم كوجي واكامتسو في «كاتربلير» إلى الحرب، موضوعه الأثير، إذ يتناول حياة جندي عائد إلى بلدته بعدما فقد رجله وذراعه في الحرب اليابانية الصينية. وسط هذا، اقتصر الحضور العربي على برنامج «بانوراما»، حيث يُعرض عملان، الأول للعراقي محمد الدراجي «ابن بابل»، والثاني هو «الرجل الذي باع العالم» للمغربيين سهيل وعماد نوري. فيما يُعرض في سوق المهرجان «عصافير النيل» لمجدي أحمد علي، و«رسائل البحر» لداود عبد السيد.
رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية المخرج الألماني فيرنير هيرتزوغ أكّد أنه لا يملك «وصفة سحرية» للحكم على الأفلام، مضيفاً «الفيلم الجيد لا يخبّئ نفسه»، إلّا أنّه شدّد على دور المهرجان بوصفه معبراً لللسينمائيّين الشباب.