خليل صويلح
كان عنترة يقف في طابور أمام إحدى المكتبات للحصول على نسخته من «أجمل ألف رسالة حب قصيرة»، آملاً أن يجد رسالة تطيح عبلة إلى الأبد. ذلك أنه بعد رحلات بين القبائل لجمع مئة ناقة، مهراً لمعشوقته السمراء، لم يتمكن من إحضار أكثر من ناقة عجفاء. لم يجد عنترة مبتغاه في الكتاب، فاستعاد بيت الشعر الذي أنشده يوماً «فوددت تقبيل السيوف لأنها/ لمعت كبارق ثغرك المتبسم». كتبه على الخلوي وأرسله إلى عبلة، فكانت آخر رسالة بينهما، لأن عبلة لم تفهم هذه الطلاسم. مشى عنترة محزوناً في الشوارع، فهاله منظر جولييت وهي تلقي من الشرفة رسائل روميو، ضاربةً عرض الحائط بوصية شكسبير بأن تنهي حياتها بالانتحار. في كافيتريا للعشاق، وجد عنترة صديقه قيس بن الملوّح منهمكاً في عناق ليلى أخرى. وحين ذكّره عنترة بابنة عمه، سخر من ماضيه وردّد ضاحكاً «جئت أطلب ناراً». استلّ عنترة نسخة من «آنا كارنينا»، فاكتشف أنّها لم تفكر في أن تلقي بنفسها أمام سكة القطار، وأن كل ذلك مجرد أوهام عاشها تولستوي في إحدى ليالي موسكو الباردة. كانت الشاشة المواجهة لعنترة تبثّ فيلماً مصرياً بالأبيض والأسود، بطلاه منى وأحمد. أعجبته القصة، وخصوصاً أن الشريط يروي حياة عاشقين عاندا الظروف الطبقية لينتصر الحب بقبلة نارية في النهاية. نهض قيس وحبيبته ليلى التي تعرّف إليها على «فايسبوك»، ليمضيا السهرة في إحدى حانات باب توما، وبقي عنترة وحيداً. وبينما كان يرتشف الكابوتشينو، دخل رجل بائس، رثّ الثياب. سأله عنترة عن قبيلته، فأجابه «أنا فلورنتينو بطل رواية ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»». روى فلورنتينو لعنترة مكابداته في عشق فيرمينا، وكيف انتظرها 53 سنة وستة شهور و11 يوماً. أُُعجب عنترة بالرجل، وغادرا معاً إلى فندق متواضع في «ساحة المرجة». السائق الذي أقلّهما، عرض عليهما خدماته العاطفية، فنهره عنترة، مستنكراً ما آل إليه البشر. لكنّ فلورنتينو هوّن عليه، مذكّراً إياه بعيد الحب، وروى له حكاية بطل ميلان كونديرا في «البطء»، وكيف نجح هذا العاشق بعد مراوغات ومكابدات بأن يلمس يد حبيبته. استغرب عنترة أن يكون للحب يوم واحد فقط، لكنّ فلورنتينو أقنعه بأن عجلة الحياة لا تتوقف، وتمنّى عليه أن يتخلى عن عباءته وسيفه، ويشذّب شاربيه ويربط شعره ثم يحاول استعادة قلب عبلة. وأوصاه بأن يبتاع وردةً حمراء. عمل عنترة بوصية صديقه، لكنه حين وصل إلى مضارب القبيلة، وجد المواقد مطفأة، وقد غادرها القوم. ألقى بوردته فوق رماد الموقد، وتاه في الصحراء!