جديد ليلى طوبال وعز الدين قنونتونس ــ سفيان الشورابي
ماذا يمكن المرء أن يفعل خلال الساعة الأخيرة من حياته؟ يستحضر ماضيه أم يعدّ طقوس موته؟ سؤال يستلهمه عرض «آخر ساعة» (The End)، أحدث إنتاجات «مسرح الحمراء» (تونس) الذي يشرف عليه عز الدين قنون وليلى طوبال. من المسرح العضوي إلى التجريب، يشتغل هذا الثنائي على ما أصبح يعرف بـ«مسرح النخبة للجميع».
تجري «آخر ساعة» (نص ليلى طوبال/ إخراج عز الدين قنون) على خط التماس بين حتمية الموت والرغبة في مواصلة الحياة. العمل الذي سجل حضوراً لافتاً في الدورة الأخيرة من «أيام قرطاج المسرحية»، سيشارك في «المهرجان الدولي للمسرح» في رام الله خلال شهر نيسان (أبريل) المقبل.
تروي المسرحيّة الدقائق الستين الباقية من حياة نجمة (ليلى طوبال)، واستعدادها لحتفها بعدما همس إليها ملك الموت بذلك الموعد. أمّا والدتها/ مربيتها داده (ريم الحمروني)، وأخوها (أسامة كشكار)، وشبحي والدها (بحري الرحالي)، وحبيبها (بهرام العلوي)، فيتعاملون مع هذا النبأ الصاعق بطرق مختلفة. هكذا، تتسارع المشاهد ولعبة الإيماءات والأصوات حول نجمة في ديكور أشبه بالمقبرة.
ينطلق النص المسرحي من تيمة بسيطة تحمل تأويلات متعددة، إلى حوار مكثف وترميز لواقع اجتماعي وسياسي عربي يحتضر ألف مرة في اليوم. يخيّل إلينا أن الشخصيات تؤدي أدوارها أداءً عفويّاً، وغير محضّر سلفاً. كيف لا وقد استغرقت كتابة النصّ سنة كاملة، جرى تنقيحه خلالها عدداً لا يحصى من المرّات؟
دور عضوي للممثل وتوظيف الجسد في سياق السرد
إلى جانب نص «آخر ساعة» الذي مثّل حدث هذا الموسم، ونص مسرحية «رهائن» الذي تُرجم إلى الفرنسية والإنكليزية، شاركت ليلى طوبال في كتابة نصّين أنتجهما «مسرح الحمراء»، هما «حب في الخريف» و«نواصي»، إضافةً إلى آخر بالعربية والفرنسية كتبته بالاشتراك مع ممثلين من 15 دولة. ونلمس تأثّر الفنانة بمارغريت دوراس من خلال نسجها لعوالم مذبذبة، تنبش شخوصها من أعماق الناس. وتستحضر هذه العوالم في كتابة نصوصها الدرامية الساعية إلى التعبير عن الهواجس الذاتيّة والإنسانيّة.
وعلى عكس ما يمكن أن يتوقّعه المشاهد للوهلة الأولى، فإن المأساة لا تطغى على العمل. ها هي نجمة تسخر من معتقدات أمّها البالية، ومن بطريركية أبيها الأناني، ومن عبثية الشباب كما تتجلّى من خلال أخيها، ومن خيانة حبيبها. لقد جاءت «آخر ساعة» وفيةً لباقي إنتاجات «مسرح الحمراء». فلا فيديوهات ولا مؤثّرات تكنولوجية خلال العرض. قسّم قنون الفضاء المسرحي إلى قسمين، يتركّز في جزئه الأمامي على كرسي هزّاز فقط. وفي غياب المؤثرات الصوتية والموسيقى، جاء صوت علياء السلامي ليلاحق الحبكة. الإضاءة بدورها كانت خافتة، تتبع تحرك الشخصيات وانفعالاتها.
يسير المخرج هنا في الطريق الذي اختاره طيلة مسيرته المسرحيّة الممتدة على خمسة وعشرين عاماً، من خلال التركيز على دور الممثل العضوي، واستعمال جسده أداةً في السرد. بعد «قمرة طاح» و«نواصي» و«رهائن»، تبلغ تجربته في «آخر ساعة» مرحلة أخرى من النضج. بحسب ليلى طوبال فإن هاجس ثنائي «مسرح الحمراء»، «هو المحافظة على نقاوة المسرح. فحركات الجسد وتقاسيمه، وقوة الخطاب ومباشرته، وتعبيرية الديكور، لا يمكن إبرازها عند توظيف التقنيات الحديثة الدخيلة على الفن المسرحي». ومن نقاط القوّة في النصّ الاشتغال على اللهجة التونسية، من خلال استخدام مفردات مختزنة في الذاكرة الجماعية، لكنها فقدت اتصالها بالسائد. مفردات تغوص في أعماق الذات المحلية، وتتصالح مع الهوية من خلال إضفاء لمسات شعرية وغنائية على بعض المقاطع الحوارية.
«آخر ساعة» ليست طريقاً إلى الموت، على عكس ما يتوقعه المرء للوهلة الأولى. إنها أشبه بنداء للحياة. ألم يقل هيراقليطس إنّه لا يمكن الاستحمام في النهر نفسه مرتين؟


7:00 من مساء 11 و12 و13 شباط (فبراير) الحالي ـــــ «مسرح الحمراء» (تونس) ـــــ للاستعلام:
+21671320734