الورشة التدريبية في مجال الصحافة الثقافية التي تقيمها «مؤسسة المورد» هذه الأيام في لبنان، تطرح سؤالاً عن آفاق الخروج من دائرة الوعي المبتور والشلليّة والتقوقع؟
نوال العلي
«أيها الصحافيون، يا صبيان الملاحق الثقافية، اقرأوا جيداً، فأنتم الأسوأ». يطالعنا غونتر غراس بهذه المقولة في كتابه My Century (القرن الذي عشته)، فنخجل من أنفسنا. هل نحن الأسوأ بحق؟ أم أنّ النظرة السائدة إلى العاملين في الصفحات الثقافية تنتقص من مهنيتهم. ومردّ ذلك إلى الصحافة الثقافية التي أقصت نفسها عن أجواء المهنة، بابتعادها عن إثارة السجال كما كانت الصحافة أيام طه حسين والعقاد. وكذلك منذ بدأ المثقف التنصل من السياسي، وصار شعار الصفحات الثقافية العربية «بلا سياسة»، ليمرّ من خلالها كل ما لا تنطبق عليه شروط المهنة من جدة وآنية؟ ولا أدلّ على ذلك أكثر من هذا التمهيد الذي خلا من مناسبة الحديث. تنطلق اليوم في دير في منطقة حريصا، ورشة تدريبية في الصحافة الثقافية تقيمها «مؤسسة المورد»، بالتعاون مع «مؤسسة سمير قصير» وجريدة «السفير»، وتستمر حتى 16 الحالي.

بعض «المتدربين» اجتاز خطوات على طريق المهنيّة والاحتراف

عسى أن يجد المدربان، سيّد محمود وعزت القمحاوي، متسعاً من الوقت لتجاوز الأسئلة الأساسية الخمسة! خلافاً لما حدث قبل سنوات في ورشة أقامتها مؤسسة إعلامية بريطانية ضخمة، إذ تراجع المدرب عن إعطائنا أصول التحقيقات الاستقصائية حين عرف أننا من كتّاب الصفحات الثقافية، واكتفى بتعليمنا الـ 5Ws (من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ كيف؟)، علماً بأنّ بعض «المتدربين» اجتاز خطوات أساسيّة على طريق المهنيّة والاحتراف (أربعة من أصل الـ18 هم من أسرة «ثقافة وناس»: أحمد الزعتري، سعيد خطيبي، حسام السراي، سفيان الشورابي).
يأمل سيد محمود، حسب تصريح للصحافة، أن «تفرز الورشة كوادر جديدة على مستوى الوطن العربي». هل تكفي الأيام الستة لتحقيق هذه الغاية، وتبعاً لأية مناهج؟ أليس مستحسناً الاكتفاء بأهداف عمليّة تناسب ظروف هذه الورشة التي تقام للمرّة الثانية، وإمكاناتها؟ إنّها بلا شك فرصة للتشبيك بين الصحافيين الشباب، والتعرّف إلى الحالة الثقافية في البلدان المختلفة، وقد تثير الورشة سجالاً في مواضيع مثل جائزة «بوكر» في الصحافة العربية، وقوانين المطبوعات والنشر في العالم العربي، وفن كتابة البورتريه... إضافة إلى لقاءات تجمع المشاركين بالشاعر عباس بيضون، وبراشد عيسى (سوريا)، والزميل بشير صفير (لبنان)، إضافة إلى زيارة معرضي وليد صادق وإملي جاسر في «مركز بيروت للفنّ».
فكرة الورشة بحدّ ذاتها إيجابيّة. لكنّنا نتساءل إن كان بوسع المؤسسة التي تحرّك خيوطها الناشطة المصريّة بسمة الحسيني، أن تفتح الدورة المقبلة على مزيد من المهنيين المتمرسين في الصحافة الثقافية، من المنطقة والعالم. ربّما ساهم ذلك في مدّ الشباب الساعين إلى خوض هذا المجال، بمعايير تقنيّة صارمة تقطع مع الآفات التي تحاصر الثقافة العربيّة، وقد انتقلت عدواها حكماً إلى صفحات الصحف. فما أحوجنا إلى أفكار جديدة تخرجنا من قمقم التقليديّة، ومن دائرة الوعي المبتور والشلليّة والتقوقع. يكفي أن نطالع ملحق الـ«تايمز» أو صحيفة «إندبندنت»، لنتأكد أننا في واد، والصحافة الثقافية المهنية في واد!