فجأة، غابت الأخبار الانتخابية عن الشاشات. وبدل التصريحات السياسية والبلدية، احتلّت جثّة محمد مسلّم الشاشات. جسد المشتبه فيه بقتل أربعة من أبناء كترمايا، كان هو الحدث أول من أمس، فغطّى على ما عداه من أحداث محلية وإقليمية. لكن حتى قتل مسلّم والتنكيل بجثّته، عجز ـــــ كما كان متوقعاً ـــــ عن توحيد الخطاب الإعلامي. هكذا تعاطت كل محطة مع الحدث، انطلاقاً من نظرتها الخاصة إلى ما جرى. والأخطر كان سيل الاتهامات والمصطلحات الخاطئة التي استعملتها القنوات في رواية تطوّر الأحداث في هذه البلدة الشوفية. تناسى محرّرو نشرات الأخبار الحدّ الأدنى من المهنية، فحوّلوا المشتبه فيه محمد مسلّم إلى متّهم ومجرم، رغم أن أي قرار اتهامي لم يكن قد صدر بحقّه بعد. أما الأسوأ فكان ما روّجت له «أخبار المستقبل» في مقدّمة نشرتها، وهي أنّ «القاتل» كما سمّته، اعترف بجريمته، والمعلومة طبعاً خاطئة، لم تُنسب إلى أي مصدر أمني أو قضائي. ولم تكتفِ المحطة بنشر هذه الأخبار المغلوطة، بل بثّت تقريراً بدا متفهّماً ومتسامحاً مع أهالي كترمايا، الذين «انتقموا للضحايا الأربع».
وعكس المتوقّع تماماً، خرجت قناة «الجديد» بمقدّمة إخبارية مفاجئة، أكّدت فيها أنّ مسلّم هو المجرم. كما حاولت القناة تبرير ما فعله الأهالي الغاضبون «من كثر إجرامه قتلته كترمايا. فلّوجة (!) الإقليم نفّذ حكم الإعدام بمصري قتل أربعة من أبنائها... لم يبق كترماني إلا نفّذ فيه وعبره أساليب تساوي إجرامه».ثمّ جاء تقرير دارين دعبوس، ليحاكي هذه المقدّمة في بدايته. ولكنها ما لبثت أنّ عدّلت خطابها لتسأل عن غياب دولة القانون الذي يسمح بأن يأخذ كل غاضب حقّه بيده. وفي الإطار نفسه، وصفت قناة MTV مسلّم بالموتور، و«القاتل الموقوف». ولكنّ المقّدمة عادت لتأخذ طابعاً أكثر عقلانيةً، عندما وصفت عدالة الشارع بـ«القبيحة، قبح الجريمة (التي أودت بحياة أربعة من أبناء البلدة)». وأنهت تقريرها بسؤال واحد هو «أين الدولة؟».
إذاً، غياب الدولة الذي بدا فاضحاً، أول من أمس، استفزّ معظم القنوات التلفزيونية، وخصوصاً قناة OTV. ورأت الشاشة البرتقالية ما جرى بـ«الثأر الميداني، حيث لا محاكمة ولا دفاع»، منتقدةً انتقال العدالة من قاعات المحاكم إلى الشارع.
ولعلّ التغطية الأفضل كانت لـ«المؤسسة اللبنانية للإرسال»، أقلّه لجهة استعمال التعابير والمفردات الصحيحة، فكان محمد مسلّم طيلة التقرير الذي أعدّه عبده الحلو «مشتبهاً فيه» وليس «مجرماً» أو «متّهماً».
لكن طبعاً، يؤخذ على المحطة عرضها لصور التنكيل بالجثة بكل وضوح، من دون أي تمويه. عكس «الجديد» التي عرضت بعض مشاهد التعذيب، لكن مع تمويه جسد مسلّم. أما قناة «المستقبل»، و«أو تي في» وباقي القنوات، ففضّلت الامتناع عن عرض الجثة إلا من بعيد.
وهنا تطرح مجموعة أسئلة تبدو ملحّة بعد التغطية المتباينة للمحطات: لماذا أصرّت بعض المحطات على عرض مشاهد التعذيب؟ وهل المطالبة باحترام جثث الأموات شكل من أشكال الرقابة؟ كذلك تطرح علامات استفهام عدة حول خلفيات تعاطف المحطات مع أهالي كترمايا ومع فعلتهم الوحشية: هل هو طائفي؟ مناطقي؟ ولو لم يكن المشتبه فيه ـــــ الذي تحّول لاحقاً إلى قتيل ـــــ مصريّاً، هل كانت بعض القنوات تجرؤ على عرض صور التعذيب والتنكيل، كما فعلت أمس؟ وأخيراً، هل يدرك الإعلام أنّ هو من يصنع الرأي العام، وأنّ الترويج لجريمة مماثلة على أنها «ردة فعل طبيعية»، يوازي الجريمة نفسها التي أودت بحياة أربعة من أبناء البلدة؟
ليال...