مع البلبلة التي أثارها تأجيل عرض «طيارة من ورق»، اعتصم«المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» بالصمت أمام ارتفاع الأصوات التي اتهمته بمراعاة رجال الدين أكثر من حرصه على حرية الإعلام
ليال حداد
مجدداً، غاب «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» عن السمع... ولاذ بالصمت إزاء تدخّل المرجعيات الروحية في برمجة إحدى المحطات المحلية. وكان غريباً تفادي المجلس إصدار أي بيان يتعلّق بحادثة تدخّل بعض المرجعيات الدرزية في منع عرض فيلم «طيّارة من ورق» على قناة «الجديد».
هذه الحادثة زادت حجم الاتهامات الموجّهة إلى المجلس بمراعاة الطوائف والرموز الدينية على حساب الحرية الإعلامية في كثير من الأحيان. وهذه الاتهامات انطلقت شرارتها الأولى مع حادثة برنامج «لول» الشهيرة. يومها، فعلت تصريحات رجال الدين (الشيخ محمد علي الجوزو، وعدد من الكهنة على شاشة «تيلي لوميار») فِعلها في المجلس الذي دعا إلى اجتماع عاجل، ناقش فيه سبل «كبح جماح البرامج المسيئة للأخلاق».
إذاً، سقط المجلس الوطني في الامتحان مرة جديدة، ونأى بنفسه عن خلاف أساسي شغل الوسط الإعلامي أخيراً، في وقت أعيد فيه فتح ملفّ برامج النكات، وألف المجلس«لجنة لوضع المقاييس والمعايير التي يفترض أن تلتزم بها المؤسسات المرئية والمسموعة في برامج النكات والتسلية».
وهنا ترتسم علامات استفهام حول أداء المجلس المزدوج، ورضوخه مراراً لضغوط رجال الدين، وغيابه عن القضايا الأساسية التي تمسّ ملفّ حرية التعبير والإعلام. ولعلّ العودة إلى آلية تأليف المجلس واختيار أعضائه، توضح الصورة إيضاحاً أكبر. إذ إنّ الارتباطات السياسية والطائفية للمجلس وأعضائه، تبدو واضحة من خلال هذه الآلية. يتألّف «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» (أنشئ عام 1994) من عشرة أعضاء، ينتخب مجلس النواب أولاً خمسة منهم، ثمّ تعيّن الحكومة خمسة آخرين وفق الآليات نفسها التي يُختار فيها أعضاء المجلس الدستوري. إلى جانب هذا التوزيع السياسي، يفترض تقسيم الأعضاء وفقاً للطوائف الأساسية في لبنان: خمسة أعضاء مسلمين (شيعيان وسُنيان ودرزي)، وخمسة مسيحيين (مارونيان وأرثوذكسيان وكاثوليكي).
وفي إشارة إلى الأهمية التي يؤديها هذا التوزيع الطائفي في المجلس، لا بدّ من العودة إلى عام 2005، حين اختير كاثوليكيان لعضوية المجلس، مقابل عضو سُنيّ واحد. وقد أثار هذا الموضوع بلبلة كبيرة يومذاك، وطالبت المرجعيات السياسية والدينية السنية، بإعطاء السنيّ (إبراهيم عوض) منصب رئاسة المجلس ـــــ الذي هو عرفياً من نصيب الشيعة ـــــ تعويضاً عن الخطأ الذي حصل بتعيين كاثوليكيَّين!
ويرى بعضهم أن آلية التقسيم هذه وحدها كفيلة بشلّ المجلس، فهو أساساً منبثق من تفاهمات بين رؤساء الطوائف والأحزاب التي تتقاسم السلطة. وبالتالي، فإنّ عمله يكون بتغطية من هؤلاء وبمباركة منهم، فيصبح الوقوف بوجههم بمثابة المستحيل.
كذلك، فإنّ صفة المجلس منذ تأسيسه هي صفة استشارية. بناءً على ذلك، فإنّ القرارات التي تصدر عنه لا تلزم المؤسسات الإعلامية ولا مجلس الوزراء. وقد طالب أعضاء المجلس مراراً بتوسيع الصلاحيات المناطة بهم، على غرار ما يحصل في «المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع CSA» في فرنسا، لكن من دون جدوى.
أمام هذا الواقع، يحاول المجلس التحرّك وفق الحدود المرسومة له، فيعقد تارة مؤتمراً لدعم قناة «المنار»، وطوراً يحاول جمع مالكي وسائل الإعلام للحدّ من التجييش والتصعيد السياسي المنتشر على المحطات المحلية.
وآخر التحرّكات، كانت اللجنة المنبثقة من المجلس التي بدأت أعمالها الأسبوع الماضي، وتقوم بدراسات قانونية تهدف إلى وضع مقاييس ومعايير يفترض بالبرامج الترفيهية الالتزام بها. ويأتي ذلك بعد ثلاثة أشهر على الاجتماع الشهير للمجلس الذي طالب فيه برنامج «لول» بتجنّب النكات «المسيئة للأخلاق». وقد اجتمع الأعضاء مرة ثانية أواخر الشهر الماضي، في ظلّ انتشار هذا النوع من البرامج على كل الشاشات المحلية.
«لسنا ضدّ النكات، بل هي متنفّس للمواطن من ضغط الخطابات السياسية المتشنّجة» يقول رئيس اللجنة إبراهيم عوض لـ «الأخبار». ويؤكّد أن المعايير التي ستضعها اللجنة ستكون مقتبسة من قانون المطبوعات (1962)، ومن قانون الإعلام المرئي والمسموع الجديد (1994) والقديم (1953)، إضافة إلى قانون البث الفضائي، ودفاتر الشروط. وعند انتهاء أعمال اللجنة، سترفع توصياتها إلى المجلس الوطني الذي سيعرضها على جميع وسائل الإعلام، وتُناقَش قبل بلوغ قرار نهائي.
هل تكون هذه اللجنة، بداية حقيقية لوضع معايير تمنح وسائل الإعلام هامش حرية كبيراً، وتمنع تدخّل المجتمع الأهلي في عمل التلفزيونات؟ أم أنها ستمثّل عقبة إضافية، وتزيد من الحدود المرسومة للقنوات اللبنانية؟ الجواب رهن بالأيام المقبلة.


LOL في كل مكان

بعدما واجه برنامج «لول» سلسلة من الإنتقادات من قبل «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» وباقي المحطات التلفزيونية، إنتشرت فجأة البرامج الشبيهة له على كل القنوات. إلى جانب برنامج «كلمجني» على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، أطلقت MTV «أهضم شي» مع ميراي مزرعاني (الصورة). واللافت أن هذا البرنامج هو نسخة طبق الأصل عن «لول» إن كان لجهة الضيوف، الذين تعيد مزرعاني إستقبالهم بعدما أطلوا في برنامج OTV، أو لجهة النكات التي تُلقى، وكلّها مكرّرة. أما الجديد، فهو أن قناة «الجديد» تحضّر لبرنامج شبيه، لم تعلن عن تفاصيله حتى الساعة.