Ciné-Concert غداً في الـ«ميوزكهول»

أمسية غير مألوفة في بيروت، للمؤلف وعازف الكلارينت الفرنسي، تجمع بين الموسيقى والسينما. يقدّم هذا الأخير الموسيقى التصويرية التي وضعها لأحد كلاسيكيات السينما الفرنسيّة الصامتة، لاجئاً إلى مكوّنات هجينة، أمينة لأجواء ذلك الزمان، من دون أن ينقطع عن أصوات العصر الحديث

بشير صفير
منذ انطلاق «ليبان جاز» ونحن نتوقع منه دعوة الموسيقي الفرنسي لوي سكلافيس (1953). منذ تأسيسه، وضع المرجان اللبناني الجاز الفرنسي هدفاً أولَ له، تلاه الجاز الفرنكوفوني والأوروبي. لذا كان طبيعياً أن يقع خياره على سكلافيس، باعتباره وجهاً من وجوه الجاز الفرنسي المعاصر. غير أنّ الأخير أطل منذ سنتين من «فندق البستان» في دورة «مهرجان البستان» لشتاء 2008، وقدّم حفلة الجاز التي حُجِزَت له في برنامج، مثّلت الموسيقى الكلاسيكية نواته. يومها، أدّى سكلافيس مع فرقته أعماله الخاصة في أجواء جدّية، ما لبثت أن تلاشت حتى خُتِم البرنامج بالمرح والتفاعل مع الجمهور.
ومساء غدٍ، يعود سكلافيس إلى لبنان، ضيفاً على «ليبان جاز» في أمسية غير مألوفة، تجمع بين الموسيقى والسينما، أو ما يُعرَف بالـ Ciné-Concert. في الموعد المرتقب، سيؤدي سكلافيس مع فرقته، الموسيقى التصويرية التي وضعها خصيصاً للفيلم الفرنسي الصامت «في الليل» (1929) للسينمائي الفرنسي الراحل شارل فانيل.
بداية، ينبغي لفت انتباه مَن لا يعرف سكلافيس إلى أنّ ما سنسمعه غداً لا يعطي فكرة كاملة عن الموسيقي الفرنسي والخط الفني الذي ينتهجه، ولو أن ما كتبه لـ Dans La Nuit يطال أكثر من نمط. والسبب يعود إلى التيارات المتنوّعة (حدّ التناقض) التي تتكوّن منها شخصية هذا الفنان. صحيح أنه يُنسب دائماً إلى عالم الجاز، لكن هذا لا يعدو كونه تصنيفاً مختزلاً. الجاز، أساساً، يمتلك فروعاً ومدارس عدة، منها الكلاسيكي، ومنها الحديث والمطعّم بتراث الشعوب (اللاتيني، الأفريقي...)، ناهيكم عن جوهر الجاز، أي قابلية تفاعله مع محيطه أينما وجِد. أضِف إلى ذلك مصدراً أساسياً لعدم شرعية اختزال التصنيف المذكور وهو تعدد اهتمامات سكلافيس الفنية وثقافاته. قد نقع على تسجيل له في عالم الجاز الحر (ألبوماته الصادرة عند FMP، ناشر التجارب الراديكالية)، أو في مجال الجاز الأوروبي المعاصر. قد نسمع له مؤلفات ذات منحى تصويري ونفس كلاسيكي معاصر، وأخرى تُنسب إلى الجاز الكلاسيكي، أو الأفريقي... كما قد يقدّم مؤلفات مستوحاة من الفولكلور الأوروبي. يعود كل هذا التنوع في مسيرة سكلافيس إلى حسّه الفطري في الانفتاح والتفاعل مع كل ما يسمعه أو يُعرَض عليه. وهذا التنوّع ينسحب على ريبرتواره الضخم، بدءاً من مشاركاته عازفاً إلى جانب رموز الجاز الفرنسي في بداياته، وفي ما بعد أيضاً وتسجيلاته الخاصة الكثيرة منذ مطلع الثمانينيات حتى اليوم (أكثر من عشرين أسطوانة). إذا زرنا سكلافيس خارج تجربته العابرة في مختبر الجاز الحر، تلفتنا عنده ميزتان أساسيتان. الأولى، تتمثل في براعته بالعزف على آلاته (الأساسية خاصةً، أي الكلارينت والكلارينت باص، وبعدهما الساكسوفون)، وإتقانه أداء المكتوب بقدر إلمامه بالارتجال. هذه الميزة ليست أبرز ما عنده، إذ يتخطاه في هذا السياق كثيرون من عالمي الكلاسيك (الإتقان التقني) والجاز الأميركي (الارتجال). أما الميزة الثانية والأهم، وتطال تحديداً مؤلفاته الخاصة، فتكمن في صناعة اللحن الجميل، البسيط، الجديد والمألوف في آن. وهذه، بالمناسبة، إحدى نقاط القوة في موسيقى «في الليل».

يتميّز هذا الموسيقي بصناعة اللحن الجميل، والبسيط، والجديد والمألوف في آن
لكن ما هي قصة الموسيقى التي يؤديها غداً سكلافيس خلال عرض الفيلم؟ Dans La Nuit الذي أخرجه فانيل عام 1929 لم يلقَ اهتماماً يذكر آنذاك. ويعود السبب إلى تزامن إطلاقه مع ولادة السينما الناطقة. هكذا، سقط الفيلم في النسيان وعانى إهمالاً دام عقوداً، قبل أن ترمّمه مؤسسات فرنسية متخصّصة وتوكَل مهمة كتابة شريط صوتي له لسكلافيس. كتب الأخير الموسيقى بناءً على طلب السينمائي الفرنسي برتران تافرنييه وسجّلها عام 2000، ليقدمها خلال العرض الأول للفيلم عام 2002 ويُصدرها في ألبوم حمل عنوان الشريط.
الفيلم الصامت تبلغ مدته 75 دقيقة. كتب له سكلافيس مجموعة من 16 مقطوعة موسيقية تراوح مدتها بين دقيقة وستّ دقائق. والأهم من ذلك هو نجاح الموسيقي الفرنسي في وضع مؤلفات ذات مكونات هجينة، تضعنا من جهة في أجواء ذاك الزمان (وخصوصيته الفرنسية) ولا تفصلنا عن الحاضر وأصوات العصر الحديث من جهة أخرى. التشيلو يؤدي في مطلع الفيلم جملةً ذات توجه كلاسيكي معاصر/ محافظ. والأكورديون يرقصنا في الموضوعة الرئيسية (التي تحمل اسم الفيلم) على إيقاع الفالس الثلاثي واللحن الشعبي الفرنسي العذب. وفي مشهد العيد، نسمع الـ«مارش». وفي مشهدٍ بعنوان «العمل»، اختار سكلافيس الجاز الحديث، وللحادث المشؤوم، الكلاسيك التصويري، وللأحلام، النفس الجازيّ الحرّ...
مساء الغد إذاً، سيكون موعدنا مع الـ Ciné-Concert. سنشاهد عملاً من كلاسيكيات السينما الفرنسية، وسنسمع الرؤية الموسيقية التي أوحت بها مشاهده للوي سكلافيس (كلارينت وكلارينت باص)، برفقة الفرقة التي أدت التسجيل الأساسي (تشيلو، كمان، إيقاعات وأكورديون).


9:00 مساء غد الأحد ــــ «ميوزكهول» (ستاركو/ بيروت) ــــ للاستعلام: 01/999666