في «مجازات الحداثة ــ قراءة نقدية في القصة القصيرة السعودية» (الدار العربية للعلوم، ناشرون)، يذهب الباحث السعودي صالح زياد إلى تاريخ هذا الجنس الأدبي في المملكة، ويحلّله في ضوء التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية
حسين السكاف
الفورة التي تشهدها حالياً الساحة الأدبية السعودية، على مستوى القصة القصيرة والرواية، تذكّرنا بفورة النفط من باطن أرضها دفعة واحدة. شهدت السنوات الأخيرة حركة محمومة في أغلب المجالات الفنية، على رأسها القصة القصيرة والرواية. تعيدنا هذه الظاهرة إلى السؤال الإشكالي الذي طرحه الأديب والإعلامي السعودي عبد الله بن خميس في الستينيات: «هل كان البترول نعمة أم نقمة علينا؟». الإشارة التي يحملها هذا السؤال المشاكس واضحة. وهنا أيضاً، يمكننا أن نسأل: هل فورة النتاج الأدبي الذي تشهده الساحة السعودية، نعمة أم نقمة؟ سؤال يأخذنا إلى كتاب «مجازات الحداثة ـــــ قراءة نقدية في القصة القصيرة السعودية» (الدار العربية للعلوم، ناشرون) للناقد صالح زياد. نتلمّس بين صفحات الكتاب إجابات عديدة وإن بدت متباينة، إلا أن جميعها تصبّ في زاوية إشكالية. ورغم الارتباك الظاهر بين تعريف الحداثة كنتاج إبداعي والوعي الحداثي الذي يميل إلى التجدد والانفتاح، يشير المؤلف إلى أن كتابه يتجه إلى موضوع «القصة القصيرة السعودية والخليجية، لتقارب مجازات الحداثة التي تعني تمثيلات المعاني الفردية والاجتماعية والثقافية من زاوية الحداثة».
يقف الباحث على حقيقة مفادها أن القصة القصيرة ظهرت في السعودية بعد النفط، وراحت تتطور مع تطورات فوائد الناتج النفطي كأنّها «أحد مشتقاته». ويجد أن تعلّم المرأة السعودية بدأ مع بدء إنتاج النفط: «التعليم الذي أخذت دول المنطقة تنفق عليه بسخاء من ناتج النفط، كان قرين الاتصال بالعالم... وحيث يتفق المؤرخون على أن السبعينيات كانت منعطفاً على مستوى وعي الكتابة وشكلها».
وبالعودة إلى عنوان الكتاب «مجازات الحداثة»، وبالمقارنة بينه وبين ما اختاره المؤلف من نصوص قصصية، يتضح أنّ «مجازات الحداثة أو تمثيلات المعاني» التي يتحدث عنها، تتمثل في رموز مأخوذة من طبيعة المكان وخصوصيته المحلية، كالريح والظلام وسقف الدار. وذهب الناقد إلى تأويل هذه الرموز لكشف حقيقة مجتمع ما زال يخطو خطواته الأولى لفهم العالم المحيط. في قصة «الظلام» لعبده خال، يجد المؤلف أنّ «القصة تصنع الظلام عائقاً لبطلها وللجماعة من حوله، ثم تستحيل الجماعة إلى عائق إضافي يكبح حركة البطل في بحثه عن النور». وفي قصة «الرياح» لفهد الخليوي، حيث يعتمد على بعض النصوص القرآنية عن الرياح، يرى الباحث أن القصة تخرج بدلالة الرياح عن المعنى المعتاد. فـ«العولمة رياح تكتسح (المدينة) فتغيّر معالمها وتفرض عليها قيماً وأساليب حياة وتصورات وجود وكينونة لم تعهدها. والعنف الدموي الأعمى في أفعال الجماعات الدينية المتشددة وأفكارها وأقوالها، هو الآخر رياح عاتية تهدد (المدينة) بالتفكك والتشرد والخراب (...) وليست المدينة هنا، سوى مجاز الجزء للوطن».
من هنا، نلمس حقيقة الحداثة التي يطرحها الكتاب، لكونها حداثة محلية. وما إن نتجاوز حدود الكتاب الجغرافية، حتى يواجهنا كم هائل من النتاج القصصي العربي ـــــ سبق الفترة الزمنية التي يطرحها الكتاب ـــــ يعتمد الخيال الغرائبي المأخوذ من الواقع اليومي المعيش أو «مجازات الحداثة التي تعني تمثيلات المعاني الفردية والاجتماعية والثقافية من زاوية الحداثة». حضور الغرائبية والمجاز في القصة السعودية، لا يختلف عن المنتج القصصي العربي، وخصوصاً للكتّاب الذين تأثروا بأعمال كافكا وغوغول ودوستويفسكي أو نصوص المتصوفة المسلمين، أمثال ابن عربي والحلاج والنفري. وكون الناتج القصصي السعودي جزءاً من الناتج العربي، فهو خلاصة مجتمع تتغلغل فيه الموروثات «القلقة» كالدجل والشعوذة والغيبيات. وهذا ما نلمسه في كتاب صالح زياد حين تناول قصصاً بأقلام نسوية ضمن فصل بعنوان «مجازات الوعي النسوي في القصة النسائية الخليجية». هنا، يقول: «لم يشهد نوع أدبي، في أغلب دول الخليج، العدد النسائي الذي أقبل على القصة القصيرة، كما لم يشهد نوع أدبي تفوّق النساء على الرجال بالقدر الذي شهدته القصة القصيرة...».

القصة النسوية السعودية مكتوبة بعقليّة الأقلية

إلّا أن القارئ يكتشف أنّ النصوص المختارة تتحدث عن السحر والجنس وعلاقة الرجل بالمرأة، وأن أكثر النصوص إنسانية هي التي تصوّر تمرّد المرأة حين تحاول التحرر من القيود الاجتماعية، كما في قصة «السر» لنورة الغامدي. تتناول القصة حكاية فتاة متمردة تبحث عن مستقبل أفضل في مجتمع تهيمن عليه الشعوذة والدجل. في المقابل، نجد أن المجتمع استخدم سلاحه القروي النافذ للعزل الاجتماعي، فاتهمها بالجنون.
والواضح أيضاً أنّ القصة النسوية السعودية والخليجية «ظهرت مكتوبة بعقلية الأقلية». حتى إنّ بعض الكاتبات صرن يكتبن ضد المرأة. وهناك قصص نسائية تتحدث عن صراع المرأة في إثبات وجودها، لكن على اعتبار أن الرجل هو العائق الأوحد في وجهها: «وذلك كله يعني نفوذ الثقافة الاجتماعية ذات الصبغة الذكورية في وعي الأفراد، بالشكل الذي يحيل المرأة إلى ضحية لها».
أخيراً، تبقى الإشارة الأهم في الكتاب، اعتبار هذه الفورة في النتاج القصصي السعودي إشارةً حقيقية إلى أن هذا المجتمع يمر بمرحلة تحولات حضارية مهمة على مختلف الأصعدة، وخصوصاً الأدبي منها.