مفاجأة «كان» خلقها الفرنسي ماتيو أمالريك، والتشادي محمد صالح هارون.... كلاهما يرنو إلى «الكاميرا الذهبية»
عثمان تزغارت
لكل دورة من دورات «مهرجان كان» خيباتها ومفاجآتها السارة. ولا شك في أنّ الخيبة الأبرز في الأسبوع الأول من المهرجان هي فيلم وودي ألن «ستقابلين غريباً طويلاً غامضاً». إذ لم يرقَ اللقاء الفني الأول في هذا العمل بين عملاقين، هما وودي ألن وأنطوني هوبكنز، إلى مستوى الآمال والتوقعات.
في المقابل، كانت المفاجأة السارة مزدوجة، حيث اكتشفت الكروازيت سينمائيين واعدين، هما الفرنسي ماتيو أمالريك والتشادي محمد صالح هارون. الأول عرفه جمهور «كان» ممثلاً متألقاً، وخصوصاً منذ أدى بطولة رائعة جوليان شنابل «الفراشة وبذلة الغطس». وقد بهر النقاد هنا بتحفة فنية هي أول تجربة له وراء الكاميرا، بعنوان «الجولة الفنية».
يروي الفيلم قصة ذات منحى نفسي عن «أزمة الأربعينيات»، تتعلق بمنتج تلفزيوني فرنسي يتخلى فجأة عن عمله وعائلته وأولاده، ويسافر إلى أميركا لتحقيق حلم حياته في تأسيس فرقة «ستريب تيز» تقتصر على الراقصات البدينات، أطلق عليها اسم News Burlesque، وإذا بالفرقة تحقق نجاحاً عالمياً. لكن الحلم يتبخّر، لأنّ ترسّبات حياة المنتج التلفزيوني السابق سرعان ما تعود إلى الواجهة، لتعكر سعادته في حياته الجديدة برفقة راقصاته البدينات...
لكن الذين تسرّعوا في إطلاق التهكنات بأن أمالريك سيستأثر بـ«الكاميرا الذهبية» (الجائزة المخصصة في «كان» للأعمال الأولى)، بدأوا يراجعون حساباتهم بعد عرض فيلم التشادي محمد صالح هارون «رجل يصرخ». يدخل هذا الفيلم السباق على «الكاميرا الذهبية»، لكونه العمل الروائي الأول لمخرجه. لكن محمد صالح هارون ليس غريباً عن الكروازيت، فقد استرعى الانتباه، عام 2002، بفيلمه القصير «أبونا» الذي عُرض ضمن تظاهرة «أسبوعي المخرجين».
يومها، تنبأ كثيرون بميلاد سينمائي سيكون له شأن. لكنّ عراقيل إنتاجية شائكة أخّرت إنجاز باكورته الروائيّة الطويلة. إذ لم يجد التمويل اللازم (إنتاج مشترك فرنسي ــــ تشادي) إلا في خريف عام 2008. وما إن عُرض هذا العمل على اللجان الفنية للمهرجان، في مطلع الخريف المضي، حتى قبل على الفور.
في هذا الفيلم، يستعير محمد صالح هارون عنوان قصيدة شهيرة لأيمي سيزير (رجل يصرخ ليس دباً يرقص)، ليقدّم قصة إنسانية مؤثرة عن المسحوقين في بلاده، من ضحايا الفقر والاقتتال الأهلي. بطل الفيلم آدم شيخ قضى العمر كله في العمل منظِّفاً لمسبح في فندق فاخر، لكنه يُسرّح من العمل، قبل أشهر قليلة من بلوغه سن التقاعد، إثر بيع الفندق لمستثمرين صينيين، وإذا بأحفاد ماو تسي تونغ يتحولون إلى «غزاة جدد» يسلطون على القارة السوداء إمبريالية لا تقل قسوة عن إمبريالية «الرجل الأبيض» الذي ترزح القارة الأفريقية تحت نفوذه المالي والسياسي منذ عقود.