بيسان طيتستحضر لينا أبيض عوالم فرانز كافكا، تقدمها على خشبة «إروين» في الجامعة اللبنانية الأميركية، في ما بات يشكّل موعداً سنوياً في إطار «المختبر الجامعي» لهذه المخرجة. «كافكا وأبوه، والمدير، والذئب، والخنازير»، نص مأخوذ عن مجموعة من كتابات لكافكا (ترجمة أبيض ورشيد الضعيف). السواد طاغٍ على المسرح: سواد الملابس والديكور وحتى جدار الخشبة. يزيده عتمة طقس ميكانيكي يتردد في بعض المشاهد. الحضور الطاغي لكتاب كافكا «رسالة إلى الأب» يزيد العرض قتامةً. حضور يطغى على كتاباته الأخرى المستعارة في العرض، يقطع انسيابها ويعيد ربطها بعضها ببعض في آن. عوالم كافكا تغري بالغوص فيها لما تكتنزه من ثراء في مفرداتها، وأدواتها وأبعادها. تغري ما دامت تعرّي بشكل فج اللاوعي، وتغوص عميقاً في الذات.
حاولت أبيض في عرضها أن تفكك هذه العوالم، وتفكك كتابات كافكا ثم تربطها بلغتها المسرحية، كأنها تتوغل في تركيبة كافكا نفسه، في شخصيته وخصوصيته. تحاول أن تترجم الكاتب بلغة مشهدية، مستفيدة من الإمكانات والاستعارات الكثيرة التي يتيحها المسرح، كأننا أمام عمل أشبه بـ«كل شيء عن كافكا». رسالته إلى والده الذي لم يقرأها أبداً، رسالة الابن الذي عانى طغيان الحضور الأبوي. حضور بمعناه البطريركي، كحاجز منيع أمام حضور الابن كفرد.

ارتكز العرض على المحاكمة المتأخرة لوالد الكاتب المعروف
تنقل العرض بين الرسالة ومشاهد من كتابات أخرى لكافكا، تدور جميعها في إطار واحد هو المرافعة ـــــ أو لنقل المحاكمة ـــــ المتأخرة لذلك الأب. استحضار لطفولة لم يعشها فارنز، وحملانه التي كان يعدّها قبل النوم. الحملان هذه أشبه بما أراده الأب لمن هم تحت سلطته، بدءاً من أولاده. هذا الأب سيظل حاضراً بقسوة، سيُستعاد في صورة رب عمل، في المخاوف التي لا داعي لها، في نقص الثقة بالنفس من دون مبرر منطقي.
كافكا لم يكن وحيداً على الخشبة. خطواته يتبعها ممثلون آخرون، يتلصصون أو يتشابهون معه. كافكا نفسه لم يقدمه ممثل واحد. تبادل الدور أو الشخصية ممثّلون شبان وشابات في زي واحد، كأن ذلك الحضور الأبوي لم يمنع فقط تحقق ذات الفرد، بل منع
تحقق الهوية الجنسية أيضاً.
للينا أبيض أسلوبها كمخرجة، أدواتها وخياراتها. وهي إن كانت تلتزم في السنوات الماضية التزاماً كاملاً بنصوص مسرحية، فإنها في مختبرها الجامعي خاضت تجربة جريئة هذا العام من خلال ترجمة كتابات كافكا مسرحياً. لكن التجربة لا تكتمل بإرادة المخرج وحده، والممثلون الهواة (طلاب من الجامعة) بدوا أمس شديدي البعد عن فهم عوالم كافكا، وانعكس ذلك بوضوح على العرض.


8:30 مساء اليوم وغداً ـــ «مسرح اروين»، الجامعة اللبنانية الأميركية، بيروت ـــ للاستعلام: 01/786464