محاولات البحث عن عالم يستحقّ هذا العناءسناء الخوري
«خريطة العالم من دون يوطوبيا لا تستحقّ حتى أن نلقي نظرةً عليها»، كتب مرةً أوسكار وايلد. تظاهرة «يوطوبيا(ت)*» التي أطلقتها «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» أخيراً، تحاول رسم خريطة عالم يستحق عناء العيش. عروض سينما ومسرح ومحاضرات سيتوّجها لقاء ختامي مع ميشال أونفري في 4 حزيران (يونيو)، يطرح خلاله فيلسوف المتعة الفرنسي أسئلة عن إمكان اليوطوبيا بحدّ ذاته.
يوطوبيات توماس مور وأفلاطون، ليست إلا إطاراً عامّاً للتظاهرة... التفاصيل المشوّقة تدور في مكان آخر، مع فنانين معاصرين وسينمائيين يخترعون جمهورياتهم الفاضلة، على الحدود بين الخيال والواقع، الهدم والبناء، الحلم والفعل السياسي. ميشال ألفتريادس مثلاً، ألقى محاضرةً في «مسرح مونتاني» أمس. الفنان والمنتج اللبناني نصّب نفسه في السنوات الأخيرة إمبراطوراً على «نويرستان» ـــــ أو إذا شئنا: أمبراطوريّة اللامكان ـــــ مازجاً بين الطوباويّة الثوريّة والنرجسيّة والسخرية الاحتفائيّة من الذات والعالم. وقد اختار أن يستتبع محاضرته بشريط «بونكر بالاس أوتيل» (1989) الباكورة السينمائيّة لزميله إنكي بلال. في هذا العمل، يخلق رائد الشرائط المصوّرة الفرنسي بلاداً مجهولة تحت الأرض، في فانتازيا تجمع بين السياسي والخيال العلمي. ألبومات إنكي بلال من القصص المصوّرة، ستكون أيضاً متاحة في مكتبة «المركز الثقافي الفرنسي» طيلة التظاهرة، ضمن معرض «رحلات في اليوطوبيا». إحدى المحطّات القويّة أيضاً، ستكون استعادة سينمائيّة لأعمال المعلّم الفرنسي جاك تاتي. أفلام «العمّ» الستّة ستعرض بين 27 الحالي و2 يونيو في «متروبوليس أمبير صوفيل» كاحتفاء بفضاءات الطفولة التي خلقها السينمائي الراحل.
أمّا معرض «يوطوبيا(ت)*» الذي تحتضنه صالة «المركز الثقافي الفرنسي»، فيجمع أعمال فيديو وتجهيزات وصوراً فوتوغرافيّة وقّعها ربيع مروّة وبرنار خوري وجوانا حاجي توما وخليل جريج والفرنسيون كلود كلوسكي، ونيكولا مولان، ونيكولا براش. في تجهيز فيديو أنتجه عام 2008، بعنوان «أنا الموقّع أدناه...»، وضع ربيع مروّة رأسه داخل شاشة، وعلّقه على أحد الجدران، ليتلو رسالة اعتذار عن مسؤوليته في الحرب الأهليّة اللبنانيّة. تدخل سرداباً مجاوراً لشاشة العرض، فتجد نفسك واقفاً على أرضيّة متحركة، تبثّ فوقها مشاهد لبناء بيروتي قديم ينهدم، ثمّ ينبت من جديد. جمع مروّة العملين تحت عنوان Utopia ـــ Dystopia، فرسالة الاعتذار التي يوقّعها هنا، هي تلك التي لم يسمعها اللبنانيون من أمراء الحرب الأهليّة. وفي الموقع النقيض يتناول رمزيّة البناء المنهار، ورغبة النكران والنسيان. في عمل يعود إلى 1991 يستثمر برنار خوري فكرة الهدم داخل تجهيز فوتوغرافي بعنوان «الجرح المتطوّر». العمل أشبه بعرض أدائي سياسي مناهض لمشروع إعادة الإعمار بعد الحرب.
من جهته، يعيد المصوّر الفرنسي نيكولا براش تشكيل الواقع في «السفارة الأخيرة»، وهي فوتوكولاج غريب لبناء أممي ضخم ترتفع فوقه أعلام معظم الدول الكولونياليّة سابقاً. البناء مرميّ على شاطئ صخري ضخم، ومن حوله رعاة يدلّون عليه كأنّه معلم سياحي. يقلب المصوّر الشاب الأدوار ليحوّل صروح الرجل الأبيض إلى آثار يتفرّج عليها السكّان الأصليون. من جهته، يخلق نيكولا مولان الفرنسي المقيم في برلين فيلماً خارج الزمان والمكان. في Warmedwar يصوّر بالأبيض والأسود الإنسان الأخير هائماً على شاطئ خارج الزمان والمكان. أمّا جوانا حاجي توما ونبيل جريج، فيعرضان «الفيلم المفقود»، وهو شريط خاص جداً، يحكي وقائع البحث عن نسخة باكورتهما الروائيّة «البيت الزهر» التي يفترض أنها فقدت في اليمن. الشريط بحث يصدّق ـــــ رغم كلّ شيء ـــــ أنّه سيصل إلى أهدافه. يبدو أنّ المخيّلة المعاصرة لا تضجر من خلق «يوطوبيا(ت)*»... لا لشيء سوى للانعتاق من قلق الحاضر.

حتّى 4 حزيران (يونيو) المقبل ـــــ للاستعلام: 01/420230