طه محمد علي*عَبْد الهادِي يُصَارِعُ دَوْلَةً عُظْمى
في حَياتِهِ
ما قَرَأَ وَلا كَتَبَ.
في حَياتِهِ
ما قَطَعَ شَجَرَة،
وَلا طَعَنَ بَقَرَة.
في حَيَاتِهِ، ما جابَ سِيرَةَ النْيويورْكْ تايْمْز
بِغِيابِها.
في حَياتِهِ، ما رَفَعَ صَوْتَهُ عَلى أَحَدٍ
إِلاّ بِقَوْلِهِ:
«تْفَضَّلْ...
وَاللهِ العَظِيمْ غِيرْ تِتْفَضَّلْ!»
وَمَعَ ذَلِكَ،
فَهُوَ يَحْيا قَضِيَّةً خَاسِرَة.
حالَتُهُ، مَيْؤُوسٌ مِنْها،
وَحَقُّهُ ذَرَّةُ مِلْحٍ
سَقَطَتْ في المُحيط.
أَيُّها السَّادَةُ،
إنَّ مُوَكـِّلي لا يَعْرِفُ شَيْئاً عَنْ عَدُوِّهِ.
وَأُؤَكِّدُ لَكُمْ،
أَنَّهُ لَوْ رَأَى بَحَّارَةَ الإِنْتِرْپْـرايْز
لَقَدَّمَ لَهُمُ الْبَيْضَ المَقْلِيَّ،
وَلَبَنَ الكيسِ!
(تموز ١٩٧٣)
تَحْذِير
إِلى هُواةِ الصَّيْدِ
وَشُداةِ القَنْصِ ـــ
لا تُصَوِّبوا غَدَّاراتِكُمْ إِلى فَرَحِي!
فَهُوَ لا يُساوِي ثَمَنَ الخَرْطوشَةِ
(تُبَدَّدُ بِاتِّجاهِهِ)
فَمَا تَرَوْنَهُ
أَنِيقاً وَسَريعاً
كَغَزَالٍ، وَيَفِرُّ في كُلِّ اتِّجَاهٍ
كَدِيكِ حَجَلٍ ـــ
لَيْسَ فَرَحاً.
صَدِّقونِي ـــ
فَرَحِي
لا عَلاقَةَ لَهُ بِالفَرَحِ!
(أيلول ١٩٨٨)
ضَحْكٌ عَلَى ذُقُونِ القَتَلَةِ

قاسِمْ!
تُرَى... أيْنَ أَنْتَ؟!
أَنا لَمْ أَنْسَكَ
خِلالَ هَذِهِ السِّنِينَ
الطَّويلَةِ
كَأَسْوارِ المَقَابِرِ
دائِماً
أَسْأَلُ عَنْكَ العُشْبَ
وَأَكْوَامَ التُّرَابِ
أَأَنْتَ حَيٌّ،
بِعُكّازٍ وَهَيْئَةٍ وَذِكْرَياتٍ؟
وَهَلْ تَزَوَّجْتَ
وَلَكَ خَيْمَةٌ وَأَوْلادٌ؟
هَلْ حَجَجْتَ؟
أَمْ قَتَلوكَ،
عَلى مَداخِلِ تِلالِ الصَّفِيحِ؟
أَمْ أَنَّكَ يَا قاسِمُ
لَمْ تَكْبُرْ...
وَاخْتَبَأْتَ عِنْدَ العاشِرَةِ؟
فَلَمّا تَزَلْ
قاسِم اَلصَّبِيَّ
الَّذي يَرْكُضُ وَيَضْحَكُ
وَيَقْفِزُ عَنِ السَّنَاسِلِ،
يُحِبُّ اللَّوْزَ،
وَيَبْحَثُ عَنْ عِشَاشِ العَصَافِيرِ؟
حَتّى إِنْ كانوا يا قاسِمُ
قَدْ «فَعَلوها»،
وَقتََلوكَ
فَيَقِينِي أَنَّكَ «ضَحِكْتَ» عَلى قَاتِلِيكَ
كَما «ضَحِكْتَ» عَلى السِّنِينِ.
فَهُمْ بِالتَّأْكِيدِ
لَمْ يَجِدوا جُثَّتَكَ
عَلى كَتِفِ الطَّرِيقِ،
لَمْ يَعْثُرُوا عَلَيْهَا
لا في مَصَبَّاتِ الأَنْهُرِ
وَلا عَلى الرُّفوفِ
لا عَلى طَرِيقِ الحَجِّ
وَلا تَحْتَ الأَنْقَاضِ.
وَلأَنَّ أَحَداً
لَمْ يَرَكَ
وَأَنْتَ تُخْفِي جُثْمانَكَ ـــ
فَمَا مِنْ إِنْسِيٍّ
سَيَعْثُرُ عَلَيْكَ
ما مِنْ جِهَةٍ
سَتَقَعُ عَلى عَظْمَةٍ مِنْكَ
أَوْ إِبْهامٍ يَخُصُّكَ
أَوْ فَرْدَةِ حِذَاءٍ بِقِياسِ قَدَمِكَ.
لَقَدْ ضَلَّلْتَهُمْ يا قَاسِم!
لَقَدْ حَسَدْتُكَ دائِماً
يا قاسِم،
عَلى حُسْنِ اخْتِبَائِكَ
في «الغُمَّيْضَةِ»...
الَّتي طالَمَا لَعِبْناها
حُفَاةً في الأُمْسِياتِ
وَنَحْنُ أَطْفالٌ
قَبْلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
(آب/ أغسطس ١٩٨٨)

* شاعر مقيم في الناصرة