أما الإجابة، فمركّبة حكماً. هناك صحافة عربيّة (رسميّة أو خاصة)، تحتضر منذ سنوات، لأنها متكلّسة ومحنّطة وعاجزة عن مواكبة الزمن، ولأنها قطعت منذ دهر مع الجرأة والابتكار والحيويّة، وأصيبت بآفات السطحيّة والكسل والاختزال، ورزحت تحت عبء الخوف والانتهازيّة والعلاقات العامة، واستقالت من واجبها الأوّل: أي التفكير والنقد وطرح الأسئلة الموجعة والمحرجة. لقد هرمت ولم تجدد أدواتها وأقلامها ومقارباتها للواقع، ومن الطبيعي أن تلفظها حركة التطوّر، وينفضّ عنها القرّاء وتموت. كل ما تفعله التقنيات والوسائط الجديدة هنا، أنّها تستعجل مشكورة هذا الموت.
لكنّ الموت يحمل في طيّاته حياة جديدة: هناك صحافة أخرى تتشكّل، يوماً بعد آخر، في المشرق والمغرب العربيين على السواء. ربّما كان مخاضاً صعباً، بسبب طغيان النمط الواحد ومنطق الربح السريع، في زمن العولمة الذي يقوم على أيديولوجيا شموليّة خبيثة هي «البراغماتيّة». تبحث الصحافة الجديدة،
اليوم أكثر من أي وقت آخر، لا بدّ من إعادة الاعتبار إلى صحافة الرأي
الصحافة المكتوبة تقول الحقائق التي تغيب عن التلفزيون، لأنه لا يتسع لها بطبيعته، أو لأنّه منصاع لرقابة أيديولوجيّة خطيرة تطرّق إليها مليّاً عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيار بورديو. لقد باتت الصحافة، بطبيعتها، أداة مقاومة رهانها الجرأة والمغايرة. اليوم أكثر من أي وقت آخر، لا بدّ من إعادة الاعتبار إلى صحافة الرأي التي بإمكانها أن تستعيد القرّاء، وتخاطبهم وتشركهم في النقاش العام. الرأي ليس الإرهاب الفكري ولا إلغاء الآخر. الرأي شجاعة أخلاقيّة أوّلاً، تزعج السلطة غالباً، كل سلطة. في الأيام القليلة الماضية، تعرّض ثلاثة من أفراد أسرتنا لمضايقات من قبل سلطات بلادهم، بسبب مقالات نشرت في صفحات الميديا في «الأخبار»، تسلّط الضوء بفجاجة على الواقع الشائك: سفيان الشورابي في تونس، ووسام كنعان في دمشق، وسعيد خطيبي في الجزائر. هؤلاء الشباب، ورفاقهم، هم مستقبل الصحافة المكتوبة... تحيّة لهم في «يوم الصحافة العربيّة».