«غريب» ألبير كامو انبعث على الشاشة


منذ عرضه في «مهرجان البندقية» عام 1967، اختفى الشريط عن الأنظار. الفن السابع يستعيد إحدى روائعه أخيراً، بفضل المنتج الفرنسي سيمون سيمسي


عثمان تزغارت
أخيراً، وجد الاقتباس السينمائي لرائعة الفرنسي ألبير كامو (1913 ــــ 1960) طريقه إلى صالات العرض، بعدما خُيِّل أنّ الفيلم الذي يحمل توقيع المعلّم الإيطالي لوتشينو فيسكونتي (1906ــــ1976) ضاع نهائيّاً، بسبب نزاعات قانونية عرقلت توزيعه بعد إنتاجه.
كل الظروف كانت مهيأة، ليكون الفيلم من كلاسيكيات السينما. الإخراج يحمل توقيع أحد عمالقة الفنّ السابع... وهو مقتبس عن «الغريب»، أشهر روايات القرن العشرين... فضلاً عن كون بطولته أُسندت إلى نجمين عالميين، هما مارتشيللو ماستروياني وآنا كارينا. لكن خلافات نشبت بين المخرج وورثة المؤلف، أدت إلى حجب طرح الفيلم في الصالات، بعد إطلاقه في «مهرجان البندقية» عام 1967.
طوال ثلث قرن، ساد الاعتقاد أن الفيلم ضاع، وخصوصاً بعد إتلاف نسخته الأصلية، في ظروف غامضة، من جانب استديوهات «بارامونت» التي كانت المنتج الرئيس للشريط. لكن المنتج الفرنسي، سيمون سيمسي، المعروف بشغفه بـ«سينما المؤلف»، نجح أخيراً في العثور على نسخة من الفيلم، فرممها تمهيداً لإعادة طرحها في الصالات. استغرقت عمليات الترميم ثلاث سنوات. وهي الفترة التي يقول سيمون سيمسي إنّه استغلّها لتذليل الخلافات بين ورثة كامو ولوتشينو فيسكونتي من جهة، واستوديوهات «بارامونت» ومنشورات «غاليمار»، اللتين تتقاسمان حقوق تأليف النص الأدبي واقتباسه السينمائي.
ذلك التجاذب الذي دام ثلاث سنوات، بسبب الخلافات بين الورثة ومالكي حقوق النشر، سبب تأخير صدور الفيلم مجدداً. لكن رب ضارة نافعة، فقد أدى هذا التأخير إلى تزامن إعادة طرح الفيلم في قاعات العرض مع الذكرى الخمسين لرحيل كامو. ما جعله محل اهتمام من النقاد. كان لا بدّ من اكتشاف هذه التجربة بعد أكثر من أربعة عقود، لفهم أسباب التحفظ الكبير الذي استُقبل به، عندما قدّم عرضه الأول في «البندقية». وكانت الصحافة آنذاك قد أعابت على فيسكونتي الأسلوب الحكائي التقليدي الذي اعتمده لاقتباس رواية كامو، مقتفياً أثر النص الأدبي على نحو شبه حرفي. جاء الفيلم خالياً من ذلك النفس الإبداعي المسكون بالتمرد والجنون الذي يطبع عادة أفلامه.

رغم القيود التي فرضت عليه، استطاع أن يجسّد الرواية في لغة بصرية آسرة

نعرف اليوم أن صاحب «موت في البندقيّة» أُغرم برواية «الغريب»، وبذل جهوده لشراء حقوق اقتباسها خلال حياة كامو. لكن عملية الاقتباس استغرقت أربعة أعوام، قضى كامو خلالها في حادث السير الشهير عام 1960. وحين أنهى فيسكونتي كتابة السيناريو، وعرضه على منشورات «غاليمار»، كما كان متفقاً لدى شراء حقوق الاقتباس، فوجئ بأن أرملة كامو اعترضت على ذلك الاقتباس الشخصي جداً الذي تناول فيسكونتي فيه رواية زوجها، وخشيت أن يكون في ذلك إساءة إلى النص الأصلي وسمعة كامو.
بعد سنوات من الخلافات، اضطر فيسكونتي لكتابة صيغة أخرى من السيناريو التزم فيها حرفياً بالنص الروائي الأصلي، كي يحصل على الضوء الأخضر من ناشر الكاتب الفرنسي وأرملته. لكن الخلافات سرعان ما نشبت مجدداً، بعد استكمال الفيلم. اعتبرت أرملة كامو أن فيسكونتي لم يلتزم بالصيغة الجديدة من السيناريو التي وافقت عليها. بينما أعاب النقاد على الفيلم، بالعكس، تعامله الحرفي مع الرواية، بحيث جاءت البنية السرديّة للفيلم تقليدية، ولم يرق إلى مستوى أفلام فيسكونتي وبصمته الفنية المميزة. انهالت الانتقادات على المخرج الإيطالي، فقرّر صاحب «الملعونون» الإحجام عن طرح الفيلم في الصالات. هكذا، بقي طي النسيان، إلى أن نجح سيمون سيمسي في إعادته إلى واجهة السينما العالمية، بعد ترميمه رقمياً.
على غرار الكثير من روائع وكلاسيكيات السينما التي لا تحظى بالحفاوة النقدية سوى بعد مرور فترة طويلة على إنجازها، قوبل الفيلم، خلال طرحه أخيراً في أوروبا بحفاوة نقدية. وبمعزل عن الانتقادات التي واكبت إطلاقه، يجمع النقاد اليوم أنّه استطاع أن يترجم عوالم «الغريب» في لغة بصرية آسرة، رغم البنية السرديّة التقليدية التي اعتمدها فيسكونتي مرغماً، في نهاية الأمر.