في 22 آب (أغسطس)، أضاءت بقعة بيضاء ساحتي وسط بيروت (الشهداء، ورياض الصلح). بقعة جمعت مختلف أطياف اللبنانيين. نزل هؤلاء للمطالبة بمحاسبة الفاسدين، وحلّ الملفات الحيوية العالقة، خصوصاً موضوع النفايات. هذا الحراك الشعبي الذي استمرّ زخمه أسبوعاً تلو أسبوع، وواكبته شاشات الإعلام، استدرج أهل الفن والإعلام أيضاً. منهم من واكب التحرك منذ البداية كالفنان معين شريف، ومنهم من التحق بالركب طمعاً بالشهرة وركوب الموجة ربما.
طبعاً هذا الحراك تنطلق قاعدته من الشعب الذي ضاق ذرعاً بالعيش في وطن يسرح ويمرح فيه الفاسدون في السلطة على حساب كرامة المواطن اللبناني وصحته. لكن يبدو أنّ هذا الأمر لم يكن واضحاً عند بعض الإعلاميين الذين اعتبروا هذه الثورة مجرد استعراض على الشاشة الصغيرة وإطلاق لبعض الشعارات الرنانة.
يوم السبت الماضي، اتجهت حملة «جايي التغيير» نحو خليج «مار جرجس» أو «زيتونة باي»، وبعدها إلى دالية الروشة. هناك، نزعوا السيّاج الحديدي الذي يزنرها تمهيداً للاستيلاء عليها وضمّها إلى مشاريع آل الحريري التجارية. وبذلك، استعاد هؤلاء مساحة عامة طرد منها ناسها وخربت ذاكرتهم الجماعية. هذا التحرك الشبابي الذي يهدف إلى لفت الأنظار إلى التعديّات على الأملاك العامة والقول بأنّ هذه المساحات هي ملك للشعب، أثار استياء بعض الإعلاميين الذين آثروا الدفاع عن الخط السياسي الذي ابتلع هذه المساحات محاولين تفريغه من مضمونه! مجموعة «جايي التغيير» كانت قد دعت المشاركين إلى النزول إلى «زيتونة باي»، وتحديداً إلى الرصيف الخشبي وإحضار مأكولاتهم ومشروباتهم للتأكيد أنّ هذه المساحة هي للجميع. في هذا اليوم بالتحديد، أي نهار السبت، هال بعض الإعلاميين مشهد أناس افترشوا رصيف الزيتونة وأحضروا المأكولات التي تغيب عن لوائح المطاعم المجاورة: أحضروا الفتة بلبن، وراس النيفا وبعضهم أحضر قالباً من الحلوى للاحتفال بعيد ميلاد أصدقائه.

نيكول حجل رأت أنّ
الخطوة «أساءت إلى تحركات المجتمع المدني»
هذا المشهد شكل صدمة عند بعضهم. هكذا ومن خلف متاريس الشاشات الافتراضية، غرّد الإعلامي نيشان: «في زيتونة باي: أفواه وأرانب» في إشارة إلى الفيلم المصري الشهير للراحلة فاتن حمامة، حيث تضطر إلى أن تعيل عائلتها الكبيرة وتدفع ثمن ذلك من حياتها الشخصية. نيشان لم ير في هذه الحركة الرمزية سوى الطعام والنهم. لم يخطر بباله ــ هو الذي شارك المعتصمين في بداية تحركهم ــ أنّ هؤلاء كما غيرهم يطالبون بمساحاتهم العامة المسلوبة. بدا كأنّ الثورة لديه سقطت عند أسوار «الزيتونة» وأخواتها. مذيعة lbci نيكول حجل بدورها انتقدت هذه الخطوة، قائلةً إنّها «أساءت إلى تحركات المجتمع المدني». حجل التي تنتمي إلى قناة يُفترض أنها تولي أهمية لهذه الحراكات الشعبية، كانت من المذيعات اللواتي أمطرننا في الآونة الأخيرة بالبيانات الثورية الداعمة للحراك والمطالبة باسترجاع الأملاك العامة.
طاقم تلفزيون «المستقبل» استنفر أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى طريقة «يا غيرة الدين إنها أملاك الحريري»، دوّنت رشا الحلبي التي تعمل في المحطة على حسابها «بدن يسقطو وسط بيروت وسوليدير، وزيتونة باي، بس التحرك ضدن كلن يعني كلن (...) ايه كيف لكن روحوا انضبوا». هذا الاستياء من المسّ بالأملاك الحريرية عكسه زميلها في المحطة منير الحافي الذي رأى أنّ حركة النزول إلى زيتونة باي «بلا معنى» وأنها «ستهرّب أصحاب المطاعم والناس العاديين». أما رشا ألوان العاملة في mtv، فقد غرّدت قائلة: «إذا محاربة الفساد والمطالبة بالعدالة والمساواة بدا تكون متل تحرك zaytouna bay ما بدي».
هذه عيّنة من المستائين من مشاهد الفتّة والعرانيس والقهوة على رصيف «الزيتونة» التي تختبئ خلف الشعارات المطلبية طلباً للبريستيج وركوب الموجة. لكن سرعان ما تكشف لنا المتاريس الافتراضية طريقة التعاطي الفوقي والتفكير السطحي الممزوج بكثير من الطبقية إزاء أصحاب القضايا العادلة.