حسين بن حمزةيستخدم أحمد بزون معجماً هادراً ومتدفقاً في كتابه «رقص على إصبع واحدة» (دار الانتشار العربي). الهدير صفةٌ لائقة بارتطام المفردات بين جملة وأخرى، أو داخل الجملة الواحدة. يحس القارئ بأن ثمة أحصنة وحيوانات برية وموسيقى صاخبة تتصاعد من هذه الكتابة التي تخلط بين الشعر والنص المفتوح والاعتراف الوجداني.
لعل الكاتب لا يكترث بجنسية ما يكتبه بقدر اكتراثه بإنجاز إطراءات ومدائح وشكاوى للأنثى التي تحضر بأمزجة وصفاتٍ عديدة. الرغبة تعصف باللغة وتطالبها بترجمات فورية لما يحدث من فورانٍ جسدي لا يترك للكلمات ولا للقارئ فرصةً لالتقاط الأنفاس. ونتيجة لذلك، تتكرر أفعال الأمر: «اخلعي/ ارفعي/ اعزفي/ خُذي/ ارقصي..». عناوين النصوص تنحدر من المذاق نفسه: «قصرُ الشهوات»، و«تفيضين على رجلٍ واحد»، و«عُري»، و«الغضب ريشٌ مجنون». إنها لغة مخلصة لموضوعها. لغة تسعى إلى مجاراة الحب ومناخاته، والتمرُّغ برغبات الجسد واستيهاماته: «كنتِ تقفزين فينتفض ثديٌ، تقفزين فتنبت حلمةٌ، تقفزين فيتكوَّر ردفٌ، تشتعل ألسنةٌ بين الساقين، وتتلألأ حمرةٌ وسط الحرائر».
مزج بين الشعر والنص المفتوح والاعتراف الوجداني
اللغة هنا تصنع بالجسد ما يصنعه الجسد بها. إنه مثلها: ثائر وعاصف ومحطم ومتهالك. نادراً ما تهدأ هذه اللغة الجارفة عن أدائها اللاهث في خدمة الرغبة التي تتحول إلى حالة إيروتيكية طاغية: «متى أذيبُ شمعتي المتوهجة في نيرانك فتخرج نحاساً.. ثم أُدخل النحاس فيخرج شمعةً تذوب... وأبقى أذوب وأقسو حتى تقذفني رياح وجعٍ جميلٍ إلى موعد آخر». أحياناً، تهدأ اللغة في بعض المقاطع، وهو ما يسمح بتسرُّب تفاصيل أخرى تُخرج الرغبات الجسدية من حبس اللغة إلى فضاء الواقع.
هكذا، يتحرر النص من هديره لمصلحة جملة أقل صخباً: «أتذكَّرُ كيف شهق قلبكِ نصف مشمشةٍ عندما فركتُ أصابعك، وكيف أورقتْ عيناك بالدمع عندما ألقيتُ عليك سنابل الكلام، وجعلتُ صوتي يحفُّ بأذنيكِ كريشة صوصٍ صغير». لغةٌ كهذه تُرينا طبائع رقيقة لأحوال الجسد المشتهى. الجسد حاضر بكثافة، لكنه ليس ملزماً بوظيفة واحدة. حين تخفِّف الرقةُ هدير اللغة، يصير في إمكاننا أن نطّلع على ما يدور تحت السطح الجارف. لعلَّ الرغبة المتأججة ليست إلا تأجيلاً أو حَجْباً لوجهها الآخر. بحسب هذا التأويل، نقرأ رجاء الرجل: «المهم أن تلوّحي بمنديلكِ للضحايا حتى لا يقتلهم البرد».