علاء اليوسفينضجت تجربة رياض قبيسي، أو بدأت بالنضج. كان على المشاهدين أحياناً أن يدفعوا ثمن ذلك الجنون الذي كان يقدمه الشاب القادم إلى قناة «الجديد» من خلفية إخراجية يمتلك أدواتها دون سائر زملائه. اليوم، بتنا نرى ثمرة ذلك التراكم من التحقيقات والتقارير الميدانية. وإذا بالشاب الذي ألفناه استعراضياً وبهلوانياً أحياناً قد بات أكثر رزانةً.
ضرب لنا رياض أول من أمس موعداً مع شفيق. جعلنا ننتظر بتشويق موعد نشرة الأخبار، لنعرف ماذا سيجيب شفيق. السؤال بسيط مفاده: كيف يشتكي المواطن المتضرر من ماكينات الـPark Meter؟ الآلات المزروعة في العاصمة التي تعطيك وصلاً مقابل بدل الوقوف، معطّلة. يذهب المواطن ليستجدي وصلاً من آلة قريبة، وعندما يعود يجد محضر الضبط قد سبقه! وفي أحيان أخرى، لا يسلم المواطن من الضبط حتى لو علّق الوصل على «التابلو»!
على خلفية موسيقى تصويرية، يذهب رياض إلى الماكينة المعطلة حيث وضعت أرقام للمراجعة أو للشكوى، لكن هناك مشكلة بسيطة. ما من أحد يجيب على الأرقام! يحمل قبيسي سؤاله إلى المشرف على مراقبة المشروع. وهناك يفاجئه بالكاميرا. نحسب أنفسنا أمام real tv. نرى ارتباك الموظف المسؤول وسطوة الكاميرا عليه. هيبة السلطة الرابعة وهي تطرح هنا سؤالاً مشروعاً وبسيطاً: كيف يشتكي المواطن؟ وأخيراً يقول المسؤول إن المشكلة ليست عنده بل عند شفيق. تنتهي الحلقة. وفي اليوم التالي، يبث قبيسي مقابلته مع شفيق ممثّل المجموعة المشغّلة.
نكهة رياض في إعداد التقارير الميدانية هي مزيج من الموسيقى التصويرية والتقنيات الإخراجية. يستثمر التفاصيل ليقدم عملاً يقترب من التصوير الدرامي. يُحافظ على مستوى من التشويق فيمتعنا، كأننا إزاء فيلم توثيقي. لم يعد التقرير الميداني مجرد لقاءات مع عابري طريق ومسؤولين. بات قصة تلخّصها دقائق معدودة، وحبكة إخراجية. نقول ذلك ونحن نتذكر رياض قبيسي في بداياته. وقتذاك كان يأتينا على رافعة بناء أو جرافة... على دولاب في مدينة الملاهي، من تحت الكاميرا، من فوقها، متنكّراً بطاسة في الطريق الجديدة... وفي كثير من المحطات التي أثارت استهجاننا وتحفظنا، حتى صرنا نترقّب في نهاية التقرير من أين سيأتينا رياض هذه المرة؟
ثمة خيط رفيع أحياناً بين العمل المهني المتقن والتهريج. وأحياناً، لم تكن «قفلات» قبيسي موفقة، إذ كانت تحمل بصمات استعراضية ونرجسية أكثر مما تخدم التحقيق. لكن في الفترة الأخيرة بتنا نشاهد صورة أخرى لرياض، عسى أن يبني عليها ويترك ذاته وراءه.


وثائقيات مهمّشة

مطلع الخريف المقبل، تبدأ قناة «الجديد» عرض برنامج أسبوعي جديد لرياض قبيسي. يتألّف البرنامج من ست حلقات. وفي كل حلقة، سنشاهد وثائقياً مختلفاً. تتناول هذه الوثائقيات الستة قضايا إجتماعية ساخنة. ومن المتوقّع ألا يكون تناول هذه المواضيع بالطريقة التقليدية خصوصاً أنّ عدداً منها قد تمّ الحديث عنه سابقاً على أكثر من وسيلة إعلامية عربية ولبنانية. هل يفاجئنا رياض في كيفية مقاربته هذه المواضيع؟ أم أنّه سيتّجه إلى تنفيذ وثائقيات تشبه ما سبق عرضه على قناة «الجديد» وغيرها من المحطات؟ الجواب بإنتظار بدء المحطة عرض البرنامج الجديد.