حسين بن حمزةبرحيل الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، يفقد عالمنا أحد أعذب الأصوات السرديّة في الرواية المعاصرة، وأحد أشرس المدافعين عن فكرة العدالة الإنسانية. إلى جوار مسيرته الروائية المتفردة، حافظ صاحب «تاريخ حصار لشبونة» على التزامٍ سياسي نبيلٍ ونادر تجاه القضايا والمشكلات التي عاصرها. خلط حامل «جائزة نوبل للآداب» (1998) بين الفانتازيا والواقع في أعماله. السياسة رافقت الكتابة وتداخلت مع مناخاتها. التاريخ المتخيّل صار مادة روائية صالحة للوقوف في وجه التاريخ الزائف الذي تكتبه السلطات السياسية والدينية. لم يفعل ذلك في الكتابة فقط، بل تحوّل ذلك إلى سيرة شخصية أدلى فيها بانتقادات لاذعة أثارت جهاتٍ عديدة ضده، وخصوصاً الكنيسة الكاثوليكية إثر صدور روايته «الإنجيل بحسب المسيح» (1991) التي أجرى فيها تعديلات على سيرة السيد المسيح أو «ملء الفراغات في سيرته»، بحسب تعبيره. أثارت الرواية سجالاً عنيفاً لم يتوقف مع المؤسسة الدينية حتى آخر أيامه. وكان آخر تصريح له بمناسبة صدور «قابيل» (2009) التي سخر فيها من قصة آدم وحواء، إذ وصف الكتاب المقدس بأنه «دليل للعادات السيئة»، وقال عن البابا بنديكيت السادس عشر بأنّه «يتحدث باسم الربّ لتعزيز توجهات القرون الوسطى».
ولد ساراماغو عام 1922. نشر باكورته «أرض الخطيئة» عام 1947، ثمّ انتظر عشرين عاماً كي يعود إلى الكتابة بديوان حمل عنوان «أشعار محتملة». انتسب إلى «الحزب الشيوعي البرتغالي» المحظور عام 1969، وشارك في ثورة القرنفل التي أنهت ديكتاتورية نظام سلازار، لكنّه لم يحصل على الشهرة إلا حين بلغ الستين من عمره مع رواية «الإله الأكتع» (1982).
حظي صاحب «العمى» بحفاوة مستحقّة في العالم العربي. ليس فقط عبر ترجمة الكثير من أعماله إلى لغة الضاد، بل من خلال مواقفه الشجاعة، وأهمّها زيارته مع وفد من الكتّاب العالميين لرام الله، ومقارنته الوضع في فلسطين المحتلة بمعسكر أوشفيتز في حقبة ألمانيا النازية. موقف أثار غضب إسرائيل كالعادة، لكنّه فتح عيون العالم على الآلام الفلسطينية المستمرة برعاية أميركا وأوروبا.
غياب ساراماغو، بهذا المعنى، خسارةٌ للأدب وللضمير الإنساني معاً.