المراسل السابق لصحيفة «غارديان» في الشرق الأوسط، لم يتعب من نقل أخبار المنطقة إلى العالم لكن هذه المرة على الشبكة العنكبوتية، وقد وقّع الأسبوع الماضي في بيروت كتابه «الشرق الأوسط ماذا أصابه حقاً»
صباح أيوب
عندما قرّر براين ويتاكر أن يكتب عن الشرق الأوسط، لم يرغب في أن يسلك الطريق الكلاسيكي المعتاد لصحافي أجنبي، فيغطّي أخبار النزاعات والحروب في المنطقة. بل أراد أن يكتب عن «الأشياء الأخرى» التي تحفل بها مجتمعاتنا ولا تجد مكاناً لها في الصحف الأجنبية. المطبوعات اليومية، منها الـ«غارديان» البريطانية حيث يعمل ويتاكر، لا تفرد مساحة لتلك المواضيع وتفضّل التغطيات الإخبارية للحروب والأزمات والتقارير السياسية المقبلة من إحدى أكثر المناطق سخونة في العالم. لذا، لم يكن من ويتاكر سوى اللجوء إلى الابتكارات الإلكترونية على موقع «غارديان» لتفريغ ما في جعبته من معلومات ومشاهدات وتحقيقات، حتى صار مسؤول الشرق الأوسط لإحدى أكثر المدوّنات قراءة في بريطانيا والعالم وهي Comment is Free.
«من حسن حظّي أن الـ«غارديان» أطلقت زاوية خاصة على موقعها الإلكتروني مخصصة لتقارير من الع الم، فوجدت المكان المناسب لمقالاتي»، يقول الصحافي البريطاني براين ويتاكر (62 عاماً) الذي زار لبنان الأسبوع الماضي لتوقيع كتابه «الشرق الأوسط ماذا أصابه حقاً» (دار الساقي). ويتاكر الذي تعلّق بالشرق الأوسط والمغرب العربي منذ التسعينيات بعد زيارته لليمن وتونس، قرر تركيز عمله الصحافي على المجتمعات هنا. هكذا، تعلّم اللغة العربية وانطلق في جولات مكّوكية بين مختلف العواصم العربية ولندن. مقالاته التي اتخذت طابعاً اجتماعياً وثقافياً نُشرت بداية على زاوية «رسائل من العالم» World Dispatch على موقع «غارديان» الإلكتروني. وفي عام 2000، أتيحت له فرصة أن يكون مراسل الـ«غارديان» في الشرق الأوسط فشغل هذا المنصب لغاية عام 2007. وفي هذه الفترة، لم يبتعد عن هدفه الأساسي وهو تسليط الضوء على المواضيع الاجتماعية، والمعيشية، وقضايا الفساد، والتعليم، وحقوق الإنسان وغيرها من المواضيع التي هُمّشت نسبياً على حساب التقارير السياسية في الصحافة الأجنبية.
«جئت إلى مصر أولاً وكنت أحضّر لموضوع عن الآثار، لكن اتصالاً هاتفياً أنبأني أنّ القوات الإسرائيلية انسحبت من جنوب لبنان وأنه علي التوجّه إلى هناك فوراً»، يروي ويتاكر كيف جرّته بعض الأحداث السياسية في المنطقة للعمل مراسل حرب، فغطى الأحداث المرافقة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وواكب عدوان تموز من بيروت.
«ما كنت لأجد مكاناً أفضل من الموقع الإلكتروني لمواضيع مثل الهجوم على موسيقى الـ«هافي ميتال» في لبنان ومصر والمغرب مثلاً، أو الصراعات الإثنية ــــ الطائفية في العراق حتى قبل الغزو الأميركي» يشرح ويتاكر لـ«الأخبار». ويوضح أنّه نجح في التوفيق بين تغطية بعض الأحداث السياسية للنسخة المطبوعة من الـ«غارديان» وكتابة تحقيقات منوَّعة للموقع الإلكتروني.
وقبيل إنهاء مهمته الصحافية في المنطقة عام 2007، وتصاعد اهتمام معظم الصحف العالمية بالنسخة الإلكترونية والمدوّنات، أطلقت «غارديان» مدوّنتها الخاصة Comment is Free حيث شغل ويتاكر منصب مسؤول قسم الشرق الأوسط. إذ يكتب مع مجموعة من الصحافيين مقالات رأي وتحقيقات حول المنطقة. «من الجيد والضروري أن يعرف الصحافي الأرض الذي يكتب عنها وطرق عيش شعبها ويفهمها جيداً»، يقول ويتاكر الذي يستمتع بالكتابة في المدوّنة لأنها «يمكن أن تحوي مختلف أنواع المقالات وتستوعب الكثير من المواضيع».

كتب عن الفساد في السعودية، وقمع الصحافيين في المغرب
يقرّ هذا الصحافي بصعوبة الوصول للمعلومات والبيروقراطية القاتلة في المنطقة والقمع الفكري الذي تمارسه السلطات على شعوبها فتحرمهم من حرية التعبير، لكنّه يردف «الغريب في البلدان العربية أن الصحافي الأجنبي تتاح له فرص عدة للحصول على معلومات تكون ممنوعة على الإعلاميين المحليين».
الصحافي الستيني لم يكتف بموقع الـ«غارديان» الإلكتروني للكتابة عن الشرق الأوسط والمغرب العربي، فأنشأ عام 2008 موقعه الخاص «الباب» ثم مدوّنة بالاسم نفسه حيث ينشر مقالاته «بحرية أكثر من حيث الشكل والمساحة والمضمون». في «الباب المفتوح على العالم العربي» كما يعرّف الموقع عن نفسه، سلّط الضوء أخيراً على قضية تعرّض أحد المتظاهرين المصريين للضرب حتى الموت على أيدي عناصر من الشرطة المصرية، وعن قضايا الفساد في السعودية، وقمع الصحافيين في المغرب واختفاء أحد المدوّنين في مصر وغيرها...
«أهمّ دلالات التغيير الحاصلة في المنطقة هي الثورة الإعلامية وثورة الاتصالات وكل ما حققته في مجال زيادة مساحات حرية التعبير في العالم العربي» يختم ويتاكر متفائلاً.