كل من يريد العمل على الإنترنت، عليه الحصول على ترخيص! تلك هي آخر الابتكارات لتقييد الشبكة العنكبوتية... هل يودّع لبنان زمن حرية التعبير مع انعقاد مجلس النوّاب اليوم للتصويت على مشروع قانون «ينظّم» العمل الإلكتروني؟
ليال حداد
حرية الإعلام في لبنان على موعد اليوم مع استحقاق جديد. إذ يُنتظر أن يصوّت مجلس النواب على «قانون تكنولوجيا المعلومات الجديد» الذي بدأ العمل عليه منذ عام 2004. للوهلة الأولى، يبدو أن إقرار مشروع قانون ينظّم عمل الإنترنت في لبنان ضروري، ولكن إلقاء نظرة سريعة على القانون المقترح الذي حصلت «الأخبار» على نسخة عنه، يؤكّد أنه إذا أُقِرَّ المشروع فسينتقل اللبنانيون للعيش في ما يشبه النظام الأمني الذي سيدخل في أدقّ تفاصيل حياتهم الشخصية.
في المواد الـ 68 الأولى من القانون، يبدو أن المشرّعين جهدوا في وضع بعض الإضافات والإصلاحات لتتماشى مع المعاملات الإلكترونية للمصارف. غير أنّ «الكارثة» الحقيقية تتّضح من المادة 69، وصولاً إلى آخر بند من القانون. «تنشأ بموجب هذا القانون «هيئة التواقيع والخدمات الإلكترونية التي تتمتّع بشخصية معنوية وإستقلال مادي وإداري... لا تخضع هذه الهيئة لأحكام النظام العام للمؤسسات العامة...» هذا ما تنصّ عليه المادة 70 من القانون. أما أعضاء الهيئة الخمسة ورئيسها فإن مجلس الوزراء هو الذي يعيّنهم.
الفصل الثاني من الباب الثالث في القانون يشرح مهمات الهيئة. هنا، تضع الهيئة المعايير الخاصة والشروط الإدارية والمالية والتقنية الضرورية لإصدار تراخيص وشهادات تعطى لكل من يرغب في العمل على الشبكة العنكبوتية حتى لو أراد فتح حساب بريد إلكتروني أو مدوّنة شخصية! كما ينصّ القانون على حق الشبكة في «بناء قواعد إلكترونية عن مقدمي الخدمات المرخصين ومراقبتهم وفق أحكام القانون...» (المادة 80). أما الأخطر الذي تنصّ عليه هذه المادة نفسها، فهو حق الهيئة ـــــ التي يُفترض أن تكون محايدة ـــــ باستثمار خدمات إلكترونية، وبالتالي تدخل هذه الهيئة في المنافسة، وبإمكانها احتكار العمل في قطاع الإنترنت.
«كتلة المستقبل» قد تصوّت لمصلحة مشروع القانون، مقابل امتناع كتلة «الإصلاح والتغيير»
وعند الانتقال إلى الفصل الثالث الذي يحمل عنوان «المراقبة والتفتيش»، ينتقل عمل الهيئة من مستوى قانوني، إلى مستوى أمني. إذ يحق للهيئة «القيام بعمليات التفتيش المالية والإدارية والإلكترونية والوصول إلى أي معلومات وأنظمة كمبيوتر أو أدوات تتعلق بالعمليات، بما في ذلك تلك التي تستخدم لوضع معالجات البيانات ذات الطابع الشخصي موضع التنفيذ». بمعنى آخر، يمكن الهيئة تفتيش كل البيانات الشخصية لأي مؤسسة أو أي شخص (بما في ذلك «فايسبوك» وغيرها من المواقع التي تحوي معلومات شخصية) من دون العودة إلى مرجع قضائي أو قانوني. والمادة 84 توضح الصورة أكثر، إذ جاء فيها «يكلف المراقب أو المفتش رسمياً من قبل الهيئة بأعمال التفتيش إماّ دورياً أو بناءً على شكوى (!). ويمكن المراقب أو المفتش، وفي حدود ما تقتضيه مهمته... الاطلاع على أي مستند مهما كانت ركيزته والاستحصال على نسخ عنه». وتضيف المادة أنه يحق أيضاً للمفتّش «الاستحصال على كل معلومة أو توضيح يراه ضرورياً، من مكان التحقيق، أو بعد دعوة من يلزم... الولوج إلى البرامج المعلوماتية والبيانات وطلب نسخ مطبوعة عنها».
كذلك فإنّ المادة 87 تعكس واقعاً مأسوياً إلى حدّ كبير، إذ يمكن الهيئة أن تعدّل شروط الترخيص من دون الاستناد إلى أي قانون!
ويبدو مشروع القانون واضحاً من خلال تحذيره كل من يحاول عرقلة عمل هذه الهيئة. العقاب جاهز وهو «الحبس من ثلاثة إلى ستة أشهر، ودفع غرامة من خمسة إلى عشرة ملايين ليرة لبنانية». والعقاب لا يشمل فقط المُعترض على عمل الهيئة، بل من يرفض إعطاءها معلوماته الشخصية.
وحتى الساعة، لم تتضح بعد من هي الكتل التي ستصوّت مع المشروع، ومن هي تلك التي ستعترض عليه، وإن كان تردّد أمس أنّ «كتلة المستقبل» تتجه إلى التصويت عليه في وقت وعدت فيه كتلة «الإصلاح والتغيير» بعض الناشطين الذين زاروها، بالامتناع عن التصويت. أما النائب عقاب صقر فقال أيضاً لعدد من الشباب الذين زاروه طالبين معارضة القانون، إنّه سيعقد مؤتمراً صحافياً قبل انعقاد جلسة مجلس النواب ليعلن اعتراضه على مشروع القانون «وإحراج زملائه النواب الباقين».
وفي إطار عملهم لمنع إقرار هذا القانون، شهد أمس حركة ناشطة على مستوى المجتمع المدني، إن كان من خلال زيارة الكتل النيابية، أو من خلال إنشاء حملات معترضة على القانون على الشبكة العنكبوتية. هكذا أُنشئت مجموعة على «فايسبوك» بعنوان «أوقفوا هذا القانون» مع تصميم ملصق خاص نُشر على عدد كبير من المواقع الإلكترونية.


نشاط معارض


لتحميل نص القانون، انقر هنا
(انقر زر الفارة الأيمن ومن ثم اختار "save as" من القائمة)