خليل صويلحيتّهم أمبرتو إيكو التلفزيون بأنه السبب المباشر في الحمّى الجماعية لكرة القدم. إذ تحوّلت هذه اللعبة بفضل إغراء البرامج الرياضية على الشاشة إلى «استبداد معنوي يفرض على الأغلبية نسيان جسدها، لتُعجب بجسد أقلّية»، فنحن في الواقع لا نشاهد اللعبة بقدر ما نقتنع بما رواه التلفزيون عنها. ولا ينكر صاحب «ذهنية الإرهاب» أن سطوة كرة القدم بددت طاقات الشعوب في مناقشة مشكلاتها الحقيقية على نحوٍ ماكر، لصرف الناس عن الحياة الاجتماعية والسياسية، واصفاً طقوس كرة القدم بأنها «تشبه إلى حد بعيد عادات آكلي لحوم البشر، وذلك بذبح أحد عشر لاعباً، على مرأى من الجميع». وإذا ما حدث أن استولى أحدهم على ملعب، فعلاوة على ردود الفعل المباشرة التي سيثيرها الحدث، فإن العالم كله سيعلن استنكاره «الكنيسة والدولة والصينيون والفوضويون... كلهم سينددون بالمجرم».
في قراءة تأويلية لكرة القدم، يرى الناقد المغربي سعيد بنكراد أن هذه اللعبة تستعير استراتيجيّة حربية للاستيلاء على الملعب، كما أنها لا تخلو من استيهام جنسي، لجهة الإغارة والقصف للوصول إلى الذروة بكرة صاعقة تحطّم شباك الخصم، فوق سرير لذّة من العشب. يشير إدواردو غاليانو إلى أن «الهدف هو ذروة المتعة في كرة القدم. ومثل ذروة التهيّج الجنسي، أصبح الهدف يتناقص أكثر فأكثر فـي الحياة المعاصرة».
أنثوية الكرة، وذكورية اللاعب، ليست تعبيراً لفظياً خالصاً، إنما هي في أحد أشكالها، إحالة ثقافية لمعنى شهوة الارتواء، وتفريغ كبت متراكم عبر بطل افتراضي يعوّض خسائر المتفرّج في حياته اليومية، بانتصار وهمي له أولاً، و«تمجيد بطولي للوطن» من جهة ثانية. يستقبل الزعماء فريق بلادهم المنتصر بالأوسمة، وتتنافس الأندية الكبرى على صاحب القدم الذهبية بملايين الدولارات. كان اللاعب البرازيلي بيليه أيقونة جيل السبعينيات، ووصف النقّاد اللاعب الأرجنتيني مارادونا بـ«شاعر كرة القدم». لكن سطوة شركات الإعلان أفرغت كرة القدم من بهجتها الخالصة. بعد قرون طويلة من الإنكار الرسمي لها بوصفها «مجرد رذيلة جماعية يمارسها الرعاع وحدهم»، اضطرت الملكة البريطانية فيكتوريا إلى الاعتراف بشرعيتها واعتبارها فضيلة أرستقراطية، ثم التقطت شركات الإعلان طرف الخيط، واحتلت أسوار الملعب وقمصان اللاعبين بالإعلانات.
ويلفت غاليانو في كتابه «كرة القدم في الشمس والظل» إلى فكرة مهمة «من حسن الحظ أنه ما زال يظهر فـي الملاعب، حتى وإن كان ذلك فـي أحيان متباعدة، وقحٌ مستهتر يخرج على النص ويقترف حماقة القفز عن كل الفريق الخصم وعن الحكم وجمهور المنصة، لمجرد متعة الجسد المنطلق إلى مغامرة الحرية المحرمة». كانت إسرائيل قد شنت حربها على لبنان في ذروة مونديال 1982، ثم شنّت عدواناً آخر مع انتهاء مونديال 2006، مطمئنة إلى الخدر الجماعي لأفيون الكرة، فهل تباغت العالم بحرب أخرى في ذروة مونديال 2010؟