منذ 22 آب (أغسطس) حتى أول من أمس، مسافة زمنية فصلت بين 3 تظاهرات حاشدة في وسط بيروت. حراك شعبي في الشارع طالب بحقوقه المهدورة وبمحاسبة الفاسدين. حراك استثنائي واكبته الشاشات اللبنانية التي تخبط جزء منها في البدء بين الولاء السياسي وأحقية متابعة الأصوات الهادرة من ساحات الاعتصام، إلى أن رست على ملعبها الأساسي السياسي.
قنوات أخرى، وتحديداً «الجديد» وlbci كانتا ثوريتين أكثر من «الثورة». وضعت القناتان ثقلهما في الحراك وجنّدتا طواقمها التحريرية والميدانية، وهجرتا استوديوات البرامج الصباحية وافترشتا «ساحة الشهداء» وحولتاه منبراً، فيما استُحدثت الفترة المسائية (lbci) تحت خيمة تمثال الشهداء، بحيث بدا المشهد مضحكاً في بعض الأحيان، إذ شكل التمثال «جدار» فصل بين القناتين واختلطت أصوات ضيوف كل منهما مع الأخرى.

نشطاء كسروا «اتيكيت»
الظهور التلفزيوني

«ساحة الشهداء» التي تحوّلت الى «هايد بارك» للناشطين وللمواطنين أيضاً، كانت جذابة في أول أيام مواكبتها، خصوصاً أن هذه المواكبة استندت في التغطية الإعلامية الى حماوة الميدان الشعبي الملتهب. لكن استمرار البث من المكان عينه، ومرور أكثر من أسبوعين على التغطية الحيّة المباشرة من هناك واجترار الأسئلة نفسها، بل حتى الضيوف أنفسهم الذين باتوا ثابتين على هاتين المحطتين، بدأ الملل والروتين والضجر يصيب الشاشتين. ولعلّه هنا يمكننا الحديث عن هؤلاء النشطاء الذين كسروا «اتيكيت» الظهور التلفزيوني الذي يلزم عادة الضيوف بالخروج بكامل أناقتهم الخارجية، بل يلزمهم بطريقة وسياق معينين للرد على الأسئلة. كسر هؤلاء الناشطون هذه الحواجز وخرجوا بنفس شبابي ووعي سياسي وأصبحوا نجوم الشاشات. ومع خفوت نبض الميدان الشعبي، باتت التغطية الحيّة المستمرة غير ضرورية، بل شكلت في بعض الأحيان عبئاً ثقيلاً على الفريق الذي يدير هذه الصباحية أو الأمسية «الثورية»، وعلى المتابعين أيضاً. لكن مع انتفاء الحاجة إلى هذا الحضور في «ساحة الشهداء»، ظلت الكاميرات موجودة هناك، والأسئلة تكرر نفسها.
ومع حلول العاصفة الرملية التي استنفر لها كل لبنان، حسِب المشاهدون أن lbci ستنكفئ عن التغطية الميدانية على Gazon أحد أشهر المقاهي في الوسط التجاري، لكنهم كانوا مخطئين. صحيح أن هذه التغطيات الإعلامية فسحت المجال لأصوات عدة كي تعبّر عن وجعها، لكن في هذه النقطة بالتحديد تحوّلت إلى مجرد سدّ فراغ لا لزوم له. على سبيل المثال، تسمّر مراسلا المحطتين لساعات طويلة أول من أمس أمام حاجز حديدي مع المتظاهرين في انتظار أن يلتقطوا صوراً لرشق السياسيين بالبيض ونقل ذلك مباشرة. وإزاء كل ما تقدم، تشرّع الأسئلة مجدداً حول هذا الأداء والتغطية التي قفزت فوق الحدث وصنعت منه حدثاً أضخم، وحول هذه الساعات الطويلة التي ترهق المراسلين والطاقم التحريري والتقني وتصرف فيها أيضاً الأموال مقابل كمية قليلة من الإعلانات التي تقلصت مساحتها لمصلحة تغطيات الحراك، ودسّ بين الفينة والأخرى أجندات سياسية، خصوصاً مع إقحام سلاح «حزب الله» كما شاهدنا في حالة lbci.